منه لكل من صلى ، على ما يقول عند الركوع والسجود في صلاته ، رحمة منه وتخييرا وتوفيقا لهم بدلالته ، فيسبح للركوع سبحان الله العظيم ، القليل من التسبيح بذلك في الأداء كالكثير ، فمن زاد واستكثر فقد استكثر من الخير ، وله في الاكثار منه بإكثاره الثواب الكثير ، ومن اقتصر وأقل ، كان مؤديا لما حمّل ، من التسبيح لله في صلاته ، ومستدلا عن الله فيه بدلالاته. وتسبيح السجود بعد الركوع : فسبحان الله الأعلى ، فمن سبح بذلك في سجوده أجزأه مكثرا أو مقلا.
فإن قال قائل : قال الله : (سَبِّحِ) ولم يقل في صلاتك ، وهذا غير ما استدللت به من دلالاتك؟!
قيل : فلا يخلو هذا من أن يكون أمر به في الفريضة أو النافلة ، لما فيه من ذكر الله بهذه المقالة ، لما فيها لقائلها من الفضل المبين ، ففي ذلك ما قلنا أدل الدلائل باليقين ، إن كان في النافلة يقال ما تدرك به وتنال؟ ولما فيه من ذكر الله ذي الجلال ، وكان تسبيحه بذلك للنافلة من الاكبار له والاعظام ، فالفريضة الواجبة أولى ، إذا كان ذكر الله بها أفضل فضلا ، وكانت الصلاة إنما فرضت لذكره ، ولما فيها من إجلال أمره ، وقد قال الله في الصلوات نفسها ، وما جعله الله من ذكره بها : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) [النساء : ١٠٣]. فأمر سبحانه بذكره بعدها ، كما أمر بذكره فيها ومعها. وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٢] ، فكفى بهذا وبغيره من أمثاله في كتاب الله على ما قلنا دليلا ، والحمد لله كثيرا ، على ما نوّر من أموره تنويرا.
فأما ما يذكر عن عمر من أنه كان يقول : سبحان ربي العظيم الأعلى ، فلست أرى ـ والله أسأل التوفيق ـ أن يسبّح به (١) من صلى ، لأنه قد يقول مثل هذا ويفعله ، من يجحد الاسلام ويعطله ، ممن يثبت مع الله إلها آخر ، وإلهين وأكثر ، ثم يزعم أن الله لا شريك له أعظم وأكبر من الخلق من الشركاء ، فيقول : ربي الأعظم الأعلى ، هو الذي
__________________
(١) في المخطوطتين : بربه. ولعله تصحيف وما أثبت أولى.