طول صحبتها ، فيعود ذو الثقة بك (١) من وفائك يائسا ، ويظهر لك بعد الاسفار (٢) وجها عابسا ، وأرفد (٣) من أتاك مسترفدا ، وكن له بما يمكنك مستعدا ، (٤) فإن عجزت عن رفده ، فاردد عليه ماء وجهه بما يحسن من ردّه ، مع بشر تبسطه ، وتحلّ من ورطه ، فإن ضربت له عذرا عذر ، (٥) وإن أوليته وأنلته معروفا شكر ، وعد القليل مع الانبساط كثيرا ، والكثير مع الجبروت (٦) حقيرا.
[نصائح سياسية]
يا بني : وإذا وجدت للرخاء موضعا منفسحا ، لم تكثر به إلى الطماح مرحا ، (٧) وإن كنت ممن يصحب الملوك ، فاصحبهم بالجلال والتعظيم يكرموك ، ولا يحملك كثرة الأنس بهم ، على الحرص فيما ينقصك من مودتهم ، وأكثر الهيبة لهم ، فإنهم إنما أطالوا الحجاب ، وصفدوا (٨) دون العوام الأبواب ، لتملأ القلوب هيبتهم ، وترعد الفرائص سلطنتهم ، (٩) فعلى حسب هذا فاصحبهم ، (١٠) وإلا فأقصر عن الاتصال بهم.
يا بني : ولا يكثر من دهرك يأسك ، ولا عند تثبطه بأملك إبلاسك ، (١١) فإن جميع من يحسد على ما أفضى (١٢) إليه ، لم يدركه إلا بعد تأبّيه وتعذّره عليه.
__________________
(١) سقط من (ب) : بك.
(٢) الاسفار : الإشراق والإضاءة.
(٣) أرفد : أعط وأعن.
(٤) مستعدا : معينا.
(٥) سقط من (ب) : عذر.
(٦) الجبروت : العتو والقهر.
(٧) الطماح : الكبر والفخر. والمرح : التبختر والاختيال.
(٨) في (ب) : وصدوا. وصفدوا أي : أغلقوا.
(٩) الفرائص : جمع فريصة : اللحم الذي بين الصدر والكتف يرتعدان عند الفزع. والسلطنة : قدرة الملك.
(١٠) سقط من (ب) : فعلى حسب هذا فاصحبهم.
(١١) التثبيط : التأخر والتعويق. والابلاس : الحيرة والدهشة والقنوط.
(١٢) أفضى : وصل.