ولكنه يعرف ـ والله محمود ـ بما ذكرنا من العبرة والبيان ، وما تعرفه العرب العاربة في اللغة واللسان.
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨)) ، فتأويله : من خف به فسقه وعدوانه (١). (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)) ، تأويل أمه : فهو من مصيره ومهواه (٢) ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)) ، فكانت النار الحامية التي صار إليها ، أمه التي نسبه الله إليها ؛ إذ كانت له مقرا ومأوى ، وقرّ به فيها المصير والمثوى ، والنار الحامية : فهي التي لا يطفيها مطفيه ، ما كانت باقية أبدا ، والتي من دخلها كان فيها مخلدا.
تفسير سورة العاديات
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألت أبي رحمة الله عليه عن قول الله سبحانه : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣)) فالعاديات : من كل ذات ظلف ، أو حافر صلب أو خف : من كل بهيمة جنّية ، وحشية أو إنسية.
وتأويل قوله : (صُبْحاً) ، فهو : عدوا ومرحا ، و (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) فهو : ما يورين ويقدحن ، إذا عدون وضبحن ، بصلابة الأظلاف ، والحوافر والأخفاف ، من نار الحجارة والحصى ، والأرض الصلبة الخشنى ، فيورين النار من ذلك كله بإيقاد ، كما تورى وتقدح النار بالزناد.
و (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) فيما أرى ـ والله أعلم ـ خاصة الخيل ، بينهن وبين غيرهن من ذوات الحافر في العدو والقدر واليمن من الفرق النّيّر الجليل ، ولخاص ما فيهن من النعمة والبركة والخير ، قدّمن ـ إن شاء الله ـ في الذكر على البغال والحمير ، فقال الله سبحانه : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا
__________________
(١) في المخطوطتين : وعداوته. ولعل الأوفق لكلام الإمام ما أثبت.
(٢) في المخطوطتين : ومهواه وما أمه ألا ... لعلها زيادة.