اختيارا منه سبحانه في الأشياء للأوساط ، على التقصير فيها والإفراط ، لأن الاخفات فيها شبيه بالسر والضمير المكتوم ، والاجهار الفاحش من الأصوات شبيه بالتنكير المذموم.
ألا تسمع لما ذكر الله سبحانه من قصص حكمة لقمان ، وما نزل الله لرضاه بها منها في منزل القرآن ، إذ يقول لابنه ، فيما يأمره به : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٢) [لقمان : ١٢]. فلما كان رفع الصوت في غير الصلاة من التنكير ، كان في الصلاة أفحش وأنكر ، وفيما أمر الله به منها أكبر.
وفي ركوع الصلاة وسجودها ، بعد الذي قدمناه من حدودها ، ما يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) [الحج : ٧٧].
وفيما قلنا من تسكين الأطراف فيها ، وما أمر الله به من الخشوع والإقبال عليها ، ما يقول سبحانه : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) [المؤمنون : ١ ـ ٢]. ومن يشك في أن من الخشوع في الصلاة تسكين العيون وغضها؟ وكذلك تسكين الأيدي وحفظها ، فذلك من الخشوع فيها ، ومن الإقبال عليها ، وما قلنا في ذلك ومن دلائله ، ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ، من أنه قال : (ما بال رجال يرفعون أيديهم إلى السماء في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس ، لئن لم ينتهوا ليفعلن الله بهم وليفعلن) ، (١) لا يجهل ذلك من رواتهم إلا متجاهل. فأمر الصلاة كلها والحمد لله ، سكون وخشوع لله.
ثم قال تبارك وتعالى في تسبيح ركوعها ، بعد الذي بيّنه وفصّله من أمر خشوعها ، أمرا منه بيّنا ، وحكما متقنا ، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) [الواقعة : ٧٤ ، ٩٦ ، الحاقة : ٥٢]. فوقّفنا سبحانه من التسبيح على صراط مستقيم. ثم قال سبحانه في تسبيح السجود ، بقول ظاهر بيّن محدود : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى : ١] ، دلالة
__________________
(١) رواه الإمام الهادي في الأحكام ١ / ٩٢. وأخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد (مخطوط) ، ومسلم (٦٥١) ، وأبو داود (١٤٨) ، والنسائي (٣٢٧) و (٩٩٨) ، وأحمد (٢٠١١٩).