[جوهر الدين]
واعلموا أن شهوة الشراب والطعام ، (١) والنوم عن التهجد والقيام ، أوقع سرورا (٢) للنفس ، وادعى لما في طبائع الأنفس ، من الظمأ والصيام ، ومن التهجد والقيام ، ولن يملك امرؤ ضبط نفسه وفكرته ، ويقوى على ما يفوز به في آخرته ، حتى يقوى على ترك شهوته ، ويؤثر محبة الله على محبته ، وكما لا يضبط صعاب الخيل إلا بثقيل اللّجم ، فكذلك لا يقوى على النفس إلا بمنعها من كثير من شهواتها في المشرب والمطعم.
وإذا صمتم فليكن مع صيامكم من المطعم والمشرب ، صيام عن التكبر والعجب ، فإنهما ينتجان الفتنة ويوقدان نار الغضب ، واجعلوا أفكاركم ، وصفاء أذهانكم ، في الله ومحل أوليائه ، وفي التماس (٣) منازل أحبائه ، ولا ينال (٤) ذلك إلا بكلفة متكلفة ، يتقدمها متقدّم معرفة.
واعلموا أنه لن يعرفها أحد حق معرفتها ، إلا خف عليه ما يستثقله الجاهلون من كلفتها ، فلا تطلبوا التقوى طلب الجاهل بطلبته ، المغترّ بسوء التقدير عن نيل بغيبته ، جهلا بما بينه وبينها ، وما جعل له من العلاج دونها ، فيقل صبركم ، ويعسر عليكم فيها أمركم. ولكن اعرفوا منها ما قصدتم له ، وسلكتم إلى الله عزوجل فيها سبيله ، فإن غلبت عليكم الغفلة فيها ، أو فترتم بخطيئة عن النهوض إليها ، فهيجوا قلوبكم عليها ، وادعوا أنفسكم إليها ، بأصوات الأحزان ، والبكاء إما بأنفسكم وإما بغيركم من القرآن ، فإن القرآن نور وعبرة لمن اعتبر ، والبكاء والأحزان تذكرة لمن تذكّر.
فإن تعسر عليكم في مطالبكم من التقوى مطلب ، أو ضاق عليكم من مذاهبكم مذهب ، فخذوا في غيره مما يقربكم ، ويتسع لكم به من مذهبكم ، ولا تطلبوا الله في كثرة الركوع والسجود ، دون تحقيق الإخلاص لله من قلوبكم باعتماد (٥) قصد من
__________________
(١) في جميع المخطوطات شهوة الطعام والشراب ، ولعلها مقلوبة.
(٢) في (ب) و (د) : بشرور النفس (مصحفة).
(٣) في (أ) و (ج) : وفي اليأس من منازل. مصحفة.
(٤) في (ب) و (ج) : ولن.
(٥) في (أ) و (ج) : باعتماد وقصد.