والعقول حظوظ متقسمة ، والأخلاق غرائز (١) مستحكمة ، فالحازم مغتبط بما ألهم ، جذل (٢) بما قسم ، والمفرّط متأسّ (٣) على ما حرم ، يقرع سنّه من الندم ، فإن قهر نفسه على تعوّض (٤) ما فرط ، أورده صغر الهمم في أعظم الورط ، وإن تمادى في التقصير ، دحض (٥) دحضة الحسير.
وإني لما زايلت (٦) قلة الآثام ، وخضت في أفانين الكلام ، وناسمت (٧) كثيرا من علماء الأنام ، أطللت (٨) على مكنون (٩) من العلم جسيم ، واستدللت على نبأ من ضمائر القلوب عظيم ، لأن صحيح الجهر ، يدل على كثير من مكنون السر.
[صفات العالم الرباني]
واطلعت على ذلك بخصال أوتيتها ، وأخر تجنبتها ، فأما اللواتي أوتيت فذكاة (١٠) الفطنة ، وقلة المشاحة (١١) في المحنة ، والإصغاء لأهل الافتنان ، (١٢) والقبول من ذوي الأسنان ، (١٣) وكثرة الاقتباس من أولي (١٤) الحكم والأذهان ، والزهادة في الزائل الفان ،
__________________
(١) في (ب) و (د) : منقسمة. والغرائز : الطبائع.
(٢) جذل : فرح مسرور.
(٣) من الأسى.
(٤) في (ب) : تعويض.
(٥) دحض : زلق.
(٦) زايلت : فارقت.
(٧) ناسمت : تلطفت في التماس العلم منهم شيئا فشيئا.
(٨) أطللت : أشرفت.
(٩) سمي الكتاب بالمكنون أخذا من هذا.
(١٠) ذكاة الفطنة : سرعة الفهم.
(١١) المشاحة : الجدال والنزاع.
(١٢) أهل فنون العلم.
(١٣) الذين مرت عليهم السنون الكثيرة ، يعني : أصحاب التجارب.
(١٤) في (ب) و (ب) : ذوي.