لهم من الأزمان.
[أصناف الخلق]
ثم جعل الحيوان (١) ضروبا ، وجعل أغذيته شعوبا ، فمنهم الناس المغتذون بطيب الأغذية ، ومنهم الطير والدواب وفنون الأشياء الحية ، المكتفية بأثفال (٢) الغذاء ، وتيسير مئونة الاغتذاء ، فبنى الناس على خلاف بنية المسخّر لهم من الحيوان ، وبانوا منهم بفضيلة الفكر ونطق البيان ، فدبروا أغذية معايشهم بالفضيلة ، واستعانوا في ذلك بتصرف الحيلة ، وكفي ذلك غيرهم من الحيوان ، ولو لا ذلك لما (٣) بقوا ساعة من زمان.
فكل مذكور من أجناس البهائم ، المسخرة لمنافع بني آدم ، فمبني على النقص مما (٤) ذكرنا من فضيلتهم ، عاجز عما جعل الله لهم من متصرف حيلتهم.
وكذلك كان بنوا آدم في بديّ مولدهم (٥) ، في عجزهم عن نيل منافع غذائهم ورشدهم ، وجهلهم لمصلحهم (٦) في الأمور من مفسدهم ، فلو كان الناس ـ إذ (٧) ابتدءوا ، عند ما فطروا وأنشئوا ، لم يجعل لهم ولا فيهم ، من يغذوهم ويقوم عليهم ـ لهلكوا ولم يبقوا وقت يوم واحد ، لما يحتاجون إليه في النفاس وعند المولد ، من تلفيف الولدان بخرقها ، وتسوية أعضاء خلقها ، ولكن الله تبارك وتعالى جعل لهم في الابتداء ، آباء قاموا بكفاية المصلحة والغذاء ، حدّهم في العلم بمصلحتهم غير حدّهم ، فغذّوهم برأفة الأبوّة وبصر التربية في مولدهم ، إلى بلوغ قوة الرجال ، والاستغناء بنهاية الكمال.
__________________
(١) سقط من (ب) : ثم جعل الحيوان.
(٢) الثفل : ما رسب خثارته من الأشياء كلها وعلا صفوه. والثافل : الرجيع.
(٣) في (ب) : ما.
(٤) في (ب) و (د) : عما.
(٥) في (أ) : كانوا بني آدم في بدء مولدهم. وفي (ب) و (د) : كان بنو آدم في بدي موالدتهم. إلا أنه سقط من (ب) : كان.
(٦) في (أ) و (ب) و (ج) : لمصلحتهم.
(٧) في (ب) : إذا.