لنفسك ما دمت في مهلة ، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى (١).
أما بعد : فاحذر على نفسك ختر الدنيا ومكرها ، وخدعها وغدرها ، فإنها متبرجة لطلابها ، فاحذرها ولا تكن لها قتيلا ، والتمس لنفسك للنجاة (٢) منها سبيلا ، فانظر لنفسك أيام مكثك فيها ، واعلم أنها مرحّلة سكانها ، وأن متاعها قليل ، وخطبها جليل ، ونعيمها زائل ، وخيرها مائل.
أما بعد : فكن في سفرك مرتادا ، وهيّئ عدة وزادا ، قد خرجت من روح الدنيا ، إلى ضيق اللحد وخشونة المتكأ (٣) ، فتيقظ من نومة الغافلين ، وانتبه من وسنة (٤) الجاهلين ، وانظر بعينك إلى مصارع المغترين ، ومضاجع المستكبرين ، أليس ديارهم خالية (وأجسادهم بالية ، ومساكنهم مقفرة ، وعظامهم نخرة ، وعروقهم بالية) (٥) وأيامهم فانية؟!
أما بعد : فإنك لو رأيت يسير ما بقي من عمرك وأجلك ، لزهدت في طول ما ترجو من أملك ، ورغبت في الزيادة من عملك ، فإنك إنما تلقى غدا في حفرتك ، وتخلى في وهدتك (٦) ، ويتبرأ منك القريب ، ويتسلى منك الحبيب ، فلا أنت إلى أهلك راجع ، ولا في عملك زائد شارع ، فاعمل ليوم القيامة ، قبل الحسرة والندامة.
أما بعد : فلا يمل بك الأمل الكاذب ، ولا تكن كالشاهد الغائب ، فإنك والقوم على بساط واحد ، والموت يأتي على كل صادر ووارد ، فلا يذهبن قولي عنك صفحا ، فإني لم آلك حظا ونصحا ، فإن تقبل نصيحتي فأنت بذلك أسعد ، وبها أعلى غنيى (٧) وأرشد ، وعن قليل يأتيك الخبر ، فالحذر الحذر ، فإنه يأتي أسرع من لمح البصر.
__________________
(١) في (أ) و (ج) : يحبه ويرضاه.
(٢) في (ب) و (د) : النجاة.
(٣) في (ب) و (د) : متكأه.
(٤) في (ب) و (د) : سنة.
(٥) سقط ما بين القوسين من (ب) و (د).
(٦) الوهدة : الهوّة تكون في الأرض.
(٧) في (ب) : عينا. وفي (أ) و (ج) : عيبا. مصحفة.