ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجه من الوجوه ، لأن فيها من الإفساد ما ليس في غيرها.
وإن سألوا فقالوا : ما تقولون في الإمامة فريضة هي ، أم سنة ، أم تطوع؟
قيل لهم : بل أفرض الفرائض ، وآكده في الفرض.
فإن قالوا : هل يجوز أن يخالف في هذه الفريضة (بوجه من الوجوه؟
قيل له : لا. لأنه لو جاز أن يخالف فريضة لجاز أن يخالف الفرائض) (١) كلها؟
فإن قالوا : فما وجه الإمامة عندكم؟
قيل : وجه الإمامة موضع الاختيار من الله معدن الرسالة ليكون الموضع معروفا. والدليل على ذلك أن الإمامة موضع حاجة الخلق ، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف ، إذا بطلت الحاجة وضاع المحتاجون ، وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين ، ودخل الوهن في الدين ؛ لأن الله تبارك وتعالى ، وضع الأشياء موضع الحاجة ، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم. ولو لا ذلك لفسد التدبير ، وهلك الخلق.
والدليل على ذلك أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق ، ليبين لهم ما فيه صلاحهم ، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا. فلذلك قلنا : لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروف لحاجة الخلق إليها ، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.
ومما يصدق قولنا أن الإمامة موضع حاجة الخلق ، وأنه لا غناء بالناس عنه ، قول الله تبارك وتعالى في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩]. وقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣]. فأمر بطاعة معلوم غير مجهول ، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدة ، وهي طاعة الله عزوجل. وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول صلىاللهعليهوآله من الإمام ، وإلا سفكوا الدماء وانتهكوا المحارم ، وغلب القويّ الضعيف ، وبطلت الأحكام والحدود ، وحقوق اليتامى والمساكين ، ورجع الدّين جاهلية. فلذلك قلنا إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف ، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم ، وإلا اختلفوا وهلكوا.
__________________
(١) سقط من (أ) : ما بين القوسين.