المبتدعة ، فحين قام فيهم صلىاللهعليهوسلم بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فسرعان ما عارضوا معروفه بالنكر ، وغيروا في وجه صوابه بالإفك ، ونسبوا إليه ، إذ خالفهم في الشرعة ، ونابذهم في النحلة ، كل محال ، ورموه بأنواع البهتان ، فتارة يرمونه بالكذب وهو الصادق المصدوق ، الذي لم يجربوا عليه قط خبرا بخلاف مخبره ، وآونة يتهمونه بالسحر ، وفي علمهم أنه لم يكن من أهله ولا ممن يدعيه ، وكرة يقولون : إنه مجنون مع تحققهم بكمال عقله ، وبراءته من مس الشيطان وخبله ، وإذ دعاهم إلى عبادة المعبود بحق وحده لا شريك له ، قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (١) ، مع الإقرار بمقتضى هذه الدعوة الصادقة : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٢) ، وإذا أنذرهم بطشة يوم القيامة ، أنكروا ما يشاهدون من الأدلة على إمكانه ، وقالوا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٣) ، وإذا خوفهم نقمة الله ، قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٤) ، اعتراضا على صحة ما أخبرهم به مما هو كائن لا محالة ؛ وإذا جاءهم بآية خارقة افترقوا في الضلالة على فرق ؛ واخترقوا فيها بمجرد العناد ما لا يقبله أهل التهدي إلى التفرقة بين الحق والباطل ، كل ذلك دعاء منهم إلى التأسي بهم والموافقة لهم على ما ينتحلون ، إذ رأوا خلاف المخالف لهم في باطلهم ردّا لما هم عليه ، ونبذا لما شدوا عليه يد الظنة ، واعتقدوا إذ لم يتمسكوا بدليل أن الخلاف يوهن الثقة ويقبح جهة الاستحسان ، وخصوصا حين اجتهدوا في الانتصار بعلم فلم يجدوا أكثر من تقليد الآباء. ولذلك أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام في محاجّة قومه : (ما تَعْبُدُونَ* قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ* قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟ * قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٥) ، فحادوا كما ترى عن الجواب القاطع المورد ، مورد السؤال إلى الاستمساك بتقليد الآباء. وقال الله تعالى : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ
__________________
(١) سورة : ص ، الآية : ٥.
(٢) سورة : العنكبوت ، الآية : ٦٥.
(٣) سورة : ق ، الآية : ٣.
(٤) سورة : الأنفال ، الآية : ٣٢.
(٥) سورة : الشعراء ، الآيات : ٧٠ ـ ٧٤.