فضلا عن وقوعها في اثنتين وسبعين ، وأن البدع ـ كما قال ـ لا تزال تحدث مع مرور الأزمنة إلى قيام الساعة.
وقد مرّ من النقل ما يشعر بهذا المعنى ، وهو قول ابن عباس : ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنّة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن. وهذا موجود في الواقع ، فإن البدع قد نشأت إلى الآن ولا تزال تكثر ، وإن فرضنا إزالة بدع الزائغين في العقائد كلها ، لكان الذي يبقى أكثر من اثنتين وسبعين فما قاله ـ والله أعلم ـ غير مخلص.
والثاني : إن حاصل كلامه أن هذه الفرق لم تتعين بعد ، بخلاف القول المتقدم ، وهو أصح في النظر ، لأن ذلك التعيين ليس عليه دليل ، والعقل لا يقتضيه ، وأيضا فالمنازع له أن يتكلف من مسائل الخلاف التي بين الأشعرية في قواعد العقائد فرقا يسميها ويبرئ نفسه وفرقته عن ذلك المحظور ، فالأولى ما قاله من عدم التعيين ، وإن سلمنا أن الدليل قام له على ذلك فلا ينبغي التعيين.
أما أولا : فإن الشريعة قد فهمنا منها أنها تشير إلى أوصافهم من غير تصريح ليحذر منها ، ويبقى الأمر في تعيين الداخلين في مقتضى الحديث مرجى ، وإنما ورد التعيين في النادر كما قال عليه الصلاة والسلام في الخوارج : «إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (١) الحديث ، مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يعرف أنهم ممن شملهم حديث الفرق ، وهذا الفصل مبسوط في كتاب (الموافقات) والحمد لله.
وأما ثانيا : فلأن عدم التعيين هو الذي ينبغي أن يلتزم ليكون سترا على الأمة كما سترت عليهم قبائحهم فلم يفضحوا في الدنيا في الغالب ، وأمرنا بالستر على المؤمنين ما لم تبدلنا صفحة الخلاف ، ليس كما ذكر عن بني إسرائيل أنهم كانوا إذا أذنب أحدهم ليلا أصبح وعلى بابه معصيته مكتوبة ، وكذلك في شأن قربانهم : فإنهم كانوا إذا قربوا لله قربانا فإن كان مقبولا
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٧٨ ، الحاشية : ١.