نوع من تكليف ما لا يطاق ، وذلك من أعظم الضيق ، فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم ، فكان فتح باب للأمة ، للدخول في هذه الرحمة ، فكيف لا يدخلون في قسم من رحم ربّك؟! فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها ، والحمد لله.
وبين هذين الطريقين واسطة أدنى من الرتبة الأولى وأعلى من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ويقع الاختلاف في بعض قواعده الكلية ، وهو المؤدي إلى التفرق شيعا.
فيمكن أن تكون الآية تنتظم هذا القسم من الاختلاف ، ولذلك صح عنه صلىاللهعليهوسلم أن أمته تفترق على بضع وسبعين فرقة ، وأخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وشمل ذلك الاختلاف الواقع في الأمم قبلنا ، ويرشحه وصف أهل البدع بالضلالة وإيعادهم بالنار ، وذلك بعيد من تمام الرحمة.
ولقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على ألفتنا وهدايتنا ، حتى ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما حضر النبي صلىاللهعليهوسلم (١) ـ قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ـ فقال : «هلمّ أكتب لكم كتبا لن تضلوا بعده» فقال عمر : إن النبي صلىاللهعليهوسلم غلبه الوجع ، وعندكم القرآن فحسبنا الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول كما قال عمر ، فلما كثر اللغط والاختلاف عند النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قوموا عني» (٢) فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
فكان ذلك ـ والله أعلم ـ وحيا أوحى الله إليه أنه إن كتب لهم ذلك الكتاب لم يضلوا
__________________
(١) لما حضرته الوفاة.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : المغازي ، باب : مرض النبي صلىاللهعليهوسلم ووفاته ، وأخرجه في كتاب : العلم ، باب : كتابة العمل ، وأخرجه في كتاب : الجهاد ، باب : هل يستشفع إلى أهل الذمة ، وباب : إخراج اليهود من جزيرة العرب ، وباب : قول المريض : قوموا عني ، وأخرجه في كتاب : الاعتصام ، باب : كراهية الخلاف (الحديث : ٨ / ١٠٣). وأخرجه مسلم في كتاب : الوصية ، باب : ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيع (الحديث : ١٦٣٧).