قال : يعيد في الوقت ، مراعاة لقول من يقول : إنه طاهر مطهر ويروى جواز الوضوء به ابتداء ، وكان قياس هذا القول أن يعيد أبدا ، إذ لم يتوضأ إلا بماء يصح له تركه والانتقال عنه إلى التيمم.
ومنها : قولهم في النكاح الفاسد الذي يجب فسخه : إن لم يتفق على فساده فيفسخ بطلاق ، ويكون فيه الميراث ، ويلزم فيه الطلاق على حده في النكاح الصحيح ، فإن اتفق العلماء على فساده فسخ بغير طلاق ، ولا يكون فيه ميراث ولا يلزم فيه طلاق.
ومنها : مسألة من نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع وكان مع الإمام وجب أن يتمادى لقول من قال : إن ذلك يجزئه ، فإذا سلم الإمام أعاد هذا المأموم.
وهذا المعنى كثير جدا في المذهب ووجهه أنه راعى دليل المخالف في بعض الأحوال ، لأنه ترجح عنده ، ولم يترجح عنده في بعضها فلم يراعه.
ولقد كتبت في مسألة مراعاة الخلاف إلى بلاد المغرب وإلى بلاد إفريقية لإشكال عرض فيها من وجهين : أحدهما مما يخص هذا الموضع على فرض صحتها ، وهو ما أصلها من الشريعة وعلام تبنى من قواعد أصول الفقه؟ فإن الذي يظهر الآن أن الدليل هو المتبع فحيثما صار صير إليه ، ومتى رجح للمجتهد أحد الدليلين على الآخر ـ ولو بأدنى وجوه الترجيح ـ وجب التعويل عليه وإلغاء ما سواه ، على ما هو مقرر في الأصول ، فإذا رجوعه ـ أعني : المجتهد ـ إلى قول الغير إعمال لدليله المرجوح عنده ، وإهمال للدليل الراجح عنده الواجب عليه اتباعه وذلك على خلاف القواعد.
فأجابني بعضهم بأجوبة منها الأقرب والأبعد ، إلا أني راجعت بعضهم بالبحث ، وهو أخي ومفيدي أبو العباس بن القباب رحمة الله عليه ، فكتب إليّ بما نصه :
وتضمن الكتاب المذكور عودة السؤال في مسألة مراعاة الخلاف ، وقلتم إن رجحان إحدى الأمارتين على الأخرى أن تقديمها على الأخرى اقتضى ذلك عدم المرجوحة مطلقا ، واستشنعتم أن يقول المفتي هذا لا يجوز ابتداء ، وبعد الوقوع يقول بجوازه ، لأنه يصير الممنوع إذا فعل جائزا ، وقلتم : إنه إنما يتصور الجمع في هذا النحو في منع التنزيه لا منع التحريم ، إلى غير ذلك مما أوردتم في المسألة.