وثمّ أقسام أخر جميعها إما يرجع إلى فقه شرعي حسن في الشرع ، وإما إلى ابتداع ليس بشرعيّ وهو قبيح في الشرع.
وأما الجدل وجمع المحافل للاستدلال على المسائل فقد مرّ الكلام فيه.
وأما أمثلة البدع المكروهة : فعد منها زخرفة المساجد وتزويق المصاحف وتلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي ، فإن أراد مجرد الفعل من غير اقتران أمر آخر فغير مسلم ، وإن أراد مع اقتران أصل التشريع ، فصحيح ما قال : إن البدعة لا تكون بدعة إلّا مع اقتران هذا القصد ، فإن لم يقترن فهي منهيّ عنها غير بدع.
وأما أمثلة البدع المباحة : فعدّ منها المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر ، أما إنها بدع فمسلم ، وأما إنها مباحة فممنوع ، إذ لا دليل في الشرع يدل على تخصيص تلك الأوقات بها ، بل هي مكروهة إذ يخاف بدوامها إلحاقها الصلوات المذكورة ، كما خاف مالك رحمهالله وصل ستة أيام من شوال برمضان لإمكان أن يعدها من رمضان ، وكذلك وقع.
فقد قال القرافي : قال الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث : إن الذي خشي منه مالك رضي الله عنه قد وقع بالعجم ، فصاروا يتركون المسحرين على عاداتهم والبوّاقين ، وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام ، فحينئذ يظهرون شعائر العيد ـ قال ـ وكذلك شاع عند عامة مصر أن الصبح ركعتان إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات ، لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة سورة السجدة يوم الجمعة في صلاة الصبح ويسجد فيها ، فيعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة. ـ قال ـ وسد هذه الذرائع متعين في الدين ، وكان مالك رحمهالله شديد المبالغة في سدّ الذرائع.
وعدّ ابن عبد السلام من البدع المباحة التوسع في الملذوذات وقد تقدم ما فيه.
والحاصل من جميع ما ذكر فيه قد وضح منه أن البدع لا تنقسم إلى ذلك الانقسام ، بل هي من قبيل المنهي عنه إما كراهة وإما تحريما ، حسبما يأتي إن شاء الله تعالى.