(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (١) ، إلى قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (٢).
وقال تعالى حكاية عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ) (٣) معناه كيف أعبد من دون الله ما لا يغني شيئا ، وأترك إفراد الرب الذي بيده الضر والنفع؟ هذا خروج عن طريق إلى غير طريق (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤).
والأمثلة في تقرر هذا الأصل كثيرة ، جميعها يشهد بأن الضلال في غالب الأمر إنما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له ، أو تقليد من عرضت له الشبهة ، فيتخذ ذلك الزلل شرعا ودينا يدين به ، مع وجود واضحة الطريق الحق ومحض الصواب.
ولما لم يكن الكفر في الواقع مقتصرا على هذا الطريق بل ثم طريق آخر وهو الكفر بعد العرفان عنادا أو ظلما ، ذكر الله تعالى الصنفين في السورة الجامعة وهي أم القرآن فقال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٥) ، فهذه هي الحجة العظمى التي دعا الأنبياء عليهمالسلام إليها. ثم قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٦) ، فالمغضوب عليهم هم اليهود لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ألا ترى إلى قول الله فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٧) يعني : اليهود ، والضالون هم النصارى لأنهم ضلوا في الحجة في عيسى عليهالسلام ، وعلى هذا التفسير أكثر المفسرين وهو مروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلها غيره ، لأنه قد جاء في
__________________
(١) سورة : النساء ، الآية : ١٤٢.
(٢) سورة : النساء ، الآية : ١٤٣.
(٣) سورة : يس ، الآية : ٢٣.
(٤) سورة : يس ، الآية : ٢٤.
(٥) سورة : الفاتحة ، الآيتان : ٦ ـ ٧.
(٦) سورة : الفاتحة ، الآية : ٧.
(٧) سورة : البقرة ، الآية : ١٤٦.