صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله ، «أو لم يحسب المساواة بالله غنيمة» لكنه اخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس ، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم «في ٢ ، ٥ ـ ١٠» أترى ان هذا القائل يريد في كلامه هذا ان هناك إلهين متعادلين في مجد الألوهية وصفاتها ، وان المسيح هو أحدهما فهو يستحق بمقامه الإلهي أن يكون معادلا لله ، ولكنه ترك الشقاق والنزاع وتنازل عن حقه من مجد الألوهية وصفاتها مراعاة ومحاباة أو صلحا بجعالة ، فأخلى نفسه من معادلة الله وأخذ بنفسه صورة عبد وصار من ذاته في شبه الناس.
وعلى هذا فلا يكون من خليقة الله ولا يكون هو الله لأن الله على هذا الكلام هو معادلة الآخر تعالى الله عما يقولون.
ولما ذا لم يتمم هذا الكلام بيانه فيبين ان هذا التنازل كان بمعاملة يصح فيها الفسخ أو لا يصح ، وان المسيح لو أراد فسخ هذه المعاملة هل يقدر على فسخها أو لا يقدر.
نعم يمكن أن يفهم من الاناجيل مع كلام المتكلف وأمثاله في مسألة الفداء ويعرف ان المسيح على أي حال كان لا يقدر على فسخ معاملاته مع الله ، وان أراد وطلب وبكى واكتئب وحزن وصلى بأشد لجاجة ، فانظر الجزء الأول صحيفة ٣١٦ ـ ٣٢٣.
ثم ان كان بهذا التنازل خرج عن حقيقة الألوهية الى حقيقة العبودية وشبه الناس فحينئذ لا يبقى له شيء من مجد الحقيقة الاولى وصفاتها العظيمة بل هو إنسان كسائر البشر ان فاز بشيء من المجد فبمجد النبوة والرسالة الذي يمكن ثبوته لآحاد البشر ، وإن كان لم يخرج عن حقيقته الاولى في الألوهية ومعادلة الله ، ولم تنقلب حقيقته الى الإنسانية ، فحينئذ لا بد أن تبقى له المعادلة لله ، وصفات الألوهية كالعلم والقدرة وسائر الكمالات الإلهية على وجه لا يمكن أن يتصف بضدها لأنها لا يمكن أن تنفك من حقيقة الالوهية.