فاعترض المتكلف «يه ٢ ج ص ٤٤» على تسمية القرآن أبا ابراهيم «آزر» مع ان التوراة سمّته «تارح» «تك ١١ ، ٢٦» ، وبأن تارح ما كان يعبد الاصنام بدليل انه هاجر مع ابراهيم الى حاران ، فلو لم يكن تقيا لما ترك وطنه وهو عزيز عنده.
قلنا : ان آزر معرّب اليعازر ، ومنه قول المتنبي : «أو كان صادف رأس آزر سيفه» حيث أراد منه اليعازر الذي يذكر انجيل يوحنا ان المسيح أحياه من الموت ، فيجوز أن يكون لفظ اليعازر لقبا لتارح فإن معناه «الله عون» فسمى القرآن تارح بلقبه.
ودعوى ان تارح لم يكن يعبد الأصنام إنما هي من المتكلف دعوى لا شاهد عليها إلا التخمين المعارض بأقوى منه ، فان «لابان» ابن بتوئيل ابن ناحور أخي ابراهيم كان في حاران يعبد الأصنام انظر «تك ٣١ ، ١٩ و ٣٠» وهذا يعطى أن بيت ابراهيم لم يكونوا في حاران أبرياء من عبادة الاصنام ، ويؤيد ذلك ان ابراهيم هاجر عن أهله من حاران ولم يتبعه إلا لوط وسارة ويجوز أن يكون تارح هاجر من وطنه حبّا لإبراهيم وفرارا بولده من كيد عبدة الاوثان ، وهذا مما يقدم عليه الأب الشفيق وإن لم يكن على دين ولده ولنا أن نقول ان آزر المذكور في القرآن لم يكن أبا ابراهيم حقيقة ، وانما هو حسب قول التوراة اليعازر الدمشقي ملك بيت ابراهيم أو ابنه المتأهّل لوراثة ابراهيم «تك ١٥ ، ٢ ـ ٤» فسماه القرآن أبا لإبراهيم حسب الاصطلاح الجاري في القديم من تسمية القيّم بالأمور «أبا» وان كان عبدا أو رعية ، فعن قول يوسف : الله جعلني أبا لفرعون «تك ٤٥ ، ٨».
وعن قول ميخا للغلام اللاوي : كن لي أبا : «قض ١٧ ، ١٠» ، وعن قول الدانيين لذلك الغلام أيضا : كن لنا أبا : «قض ١٨ ، ١٩» ، وربما يشير تصريح القرآن باسم آزر الا انه احتراز عن الأب الحقيقي.
وقال الله تعالى في سورة التوبة ١١٥ : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).