ولحم صباحا وبخبز ولحم مساء ، فالعهدان يقولان : ان في الحيوان ما هو ذو حيل ومخادعة وتعقل وكلام وكذب وحكمة ، فأين المتكلف عن هذا عند اعتراضه.
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم واقعة الهدهد وملكة سبأ وعرشها ومجيئها الى سليمان ، فانظر الى سورة النمل من الآية ٢٠ ـ ٤٥.
فقال المتكلف «يه ٢ ج ص ١٠٠ و ١٠١» وهذه الخرافة من الخرافات اليهودية ذكرت في كتبهم ، ومن اوتي ذرة من التمييز لا يقبلها ، ولم يرسل سليمان عفريتا من الجن وسرق عرشها ولم يأت بأخبارها هدهد ولا غير ذلك من الخرافات الفاحشة الدالة على ان الهدهد أعلم من سليمان.
قلت : ليس لمن يعرف قدره ان يحكم على الشيء بأنه خرافة حتى يقيّم البرهان على امتناعه عقلا كامتناع اجتماع النقيضين ، وليس له أن يتشبث بامتناعه العادي إذا كانت واقعته مرتبطة بقدرة الله وكرامته الخاصة لأنبيائه وأوليائه ، كما لا ينبغي أن يعترض بمجرد الاستبعاد والامتناع العادي على ما يذكره العهدان في كرامات موسى وهارون ، ويوشع ، وايليا ، واليشع ، والمسيح ، وبطرس ، وبولس.
وإنما للمعترض في المقام أن يطالب بمستنده فإن كان كتاب الوحي فليطالب بسنده وحجته إن لم يسعده التوفيق على الطلب لذلك بنفسه ليفوز بنعمة الايمان وينجو من هلكة الجحود الأعمى.
وليس له في قانون الادب وشرف الانسانية ان يجعل جهله الأعمى حجة على الانكار على كتاب الوحي ، وليس مما ذكره القرآن في هذا المقام شيء ممتنع عقلا ، ولا يلزم منه أن يكون الهدهد أعلم من سليمان مطلقا ، بل ان سليمان إنسان يجوز أن لا يعلم من البلاد مثل من شاهدها ، وان أراد المتكلف الخرافة التي تبطل بها دعوى كون الكتاب إلهاميا فلينظر أقلا الى ما تذكره التوراة الرائجة إذ تقول ان الله جل شأنه وتعالى صارع يعقوب الى طلوع السحر ، ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته فقال له :