الجحش ، وانك لترى في البرابرة المتوحشين كثيرا من ذلك ، وإذا نظرت الى حيل ابن آوى في كيفيات صيده وتخلصه من أذى الناس وسائر الأذى ، وإلى الهرة في صيدها وتعليم أولادها ، وإلى النحل في صناعة بيته وانتظام أمره ، وإلى الأطيار في صناعة أعشاشها العجيبة ومعرفتها بأوكارها القديمة وإلى القرد في أفعاله وحيله في مقاصده ، وتتبّعت في أحوال الحيوانات فانك تقف قهرا عن الحكم بأنها لا تعقل.
وكيف تحكم وان من منحك العاقلية لا يمتنع عليه ان يمنحها إياها أيضا كما منحها الشعور ، فإن كان لك عقل فلا بد أن تقول ان عاقليتها في حيّز الإمكان ولو لم يدل عليها دليل.
دع هذا فانا لو اقتصرنا فيها على الإدراك شعوري لجاز أن تكون متكلمة بشعورها ، وكاشفة عن مقاصدها وأحوالها بأصواتها على أنحاء متمايزة مبنيّة على اصطلاحات خاصة ودلالات كاشفة ، وإذا أوضح الوحي ذلك فلا مساغ لإنكاره.
وإن من حرمه سوء الحظ بالإيمان بذلك الوحي فليس له أن يطعن عليه في اخباره بهذا الأمر الممكن.
ولم يقل القرآن الكريم ان الطيور كانت تكلم سليمان باللغة العربية أو الجيناوية فعلّمه الله لغتها لكي يعترض المتكلف ويقول : «انها الآن ليست كذلك ولا تزال واحدة كما كانت» ، وإن كان المعترض على قول القرآن كتابيا فقد نزع نفسه من الايمان بكتبه ، فان توراته تقول : ان الحية كانت أحيل جميع الحيوانات البرية ، وكلّمت حواء بخداع المغالطة حتى أغوتها وحملتها على الأكل من الشجرة ، فقال الله للحية : لأنك فعلت هذا ملعونة أنت ، على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك ، وان نسل حواء يسحق رأسها وهي تسحق عقبه انظر «تك ٣ ، ١ ـ ١٦».
وفي عاشر متى ١٦ فكونوا حكماء كالحيات ، وفي الخامس والثلاثين من أيوب ١١ الذي يعلمنا أكثر من وحوش الأرض ويجعلنا أحكم من طيور السماء ، وفي السابع عشر من الملوك الاول ٦ وكانت الغربان تأتي ايليا بخبز