هذا التمهيد ، قال الله جل اسمه في سورة حم فصلت ٨ (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ ٩ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ١٠ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ١١ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
واعترض المتعرب «ذ» ٤٤ على هذه الآيات باعتراضين «الأول» زعمه انه يتحصّل من الآيات الكريمة المذكورة ان خلق الأرض والسموات كان في ثمانية أيام «وذلك لمكان يومين وأربعة أيام ويومين ثم زعم انه منقوض في سبعة مواضع من القرآن بما معناه انه «جل شأنه» خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام لا ثمانية.
قلت : لا يخفى ان الجبال جزء من الارض التي خلقت في يومين وهي مخلوقة بخلق الارض ولكن جرى التنصيص على ذكرها للامتنان بجعلها على الارض لما فيها من الفوائد ودفع المضار ، كما أشرنا إليه في هذا الجزء صحيفة ٣٩ ـ ٤١ ، ولم يقل جل اسمه : «وخلق فيها رواسي» بل قال : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) وذلك لئلا يتوهم ان خلق الجبال كان منفصلا عن خلق الارض في اليومين ، بل لينبه على ان الجبال من المخلوق في اليومين ، وجرى التنصيص عليها للامتنان بحكمتها الظاهرة فيكون ذكر جعل الجبال بمنزلة الإعادة لذكر الخلق المتقدم في الآية الاولى ، لأن جعل الجبال كان من جملتها ، وهذا مما لا ينبغي أن يخفى ، فيكون قوله تعالى في الآية الثانية : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها) بمنزلة قوله تعالى خلقها مع جبالها الرّاسية النافعة ، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، فيكون اليومان داخلين في الأربعة فتتم فائدة التفصيل والبيان والتمجّد بالقدرة والامتنان بقوله تعالى: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وبيانه جل شأنه بقوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ).
الاعتراض الثاني : هو ان الآيات المذكورة تدل على ان خلق السموات