المقدمات إلى وضع ثالث ورابع وهكذا ، فلا يحسن الجزم بأحد الوضعين المذكورين بجميع تفاصيله المدونة إلا بالمشاهدة التفصيلية للجزئي والكلي ، او بالتفصيل من صراحة الوحي ، ولكن الحكمة الالهية لم تقتض أن يتولى الوحي بصراحته تفصيل ذلك بجميع أنحائه جزئيا وكليا ، بل مقتضى الحكمة الالهية واللطف في حصول الغرض من الدعوة هو ان لا يبين حقيقة ذلك على الدقة والتفصيل لئلا يتمرد على الدين الذي هو الغرض من سولت له أوهامه وقطعيات وقته خلاف ما يذكره الوحي ، فيكون بيان غير المهم معثرة في سبيل المهم.
ولا يسع المقام للمناقشة في المقدمات التي استندوا إليها في كل من الهيئتين ، ومع هذا كله فالقرآن الكريم لم يصرح بخلافهما لئلا يجترئ المغرور باحداهما على الاعتراض بجهله وإلحاده على كلام الله ، فتكون الصراحة معثرة في سبيل الايمان.
وان قوله تعالى : (سَبْعَ سَماواتٍ) و (السَّماواتُ السَّبْعُ) لا يمتنع انطباقه على كل واحدة من الهيئتين أعني القديمة والجديدة ، فيمكن أن يقال على الهيئة القديمة ان السموات السبع هي افلاك السيارات السبع ، وان فلك الثوابت هو الكرسي في قوله تعالى في سورة البقرة ٢٥٦ : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وان الفلك الأطلس المدير على ما زعموا هو العرش في قوله تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).
ويمكن ان يقال على الهيئة الجديدة ان السموات السبع هي افلاك خمس من السيارات مع فلكي الأرض و «فلكان» والعرش والكرسي هما فلكا نبطون واورانوس ، وأما الشمس فهي مركز الأفلاك ، والقمر تابع للأرض وفلكه جزء من فلكها ، هذا كله في مقابلة من اشرب في قلبه إحدى الهيئتين ، والله أعلم بحقيقة الحال.
وأما الأرض فلم تذكر في القرآن الكريم إلا مفردة ، نعم قال جل اسمه (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) ، وهو يحتمل وجوها ثلاثة :
الأول : ان يراد مثلهن في الطبقات باعتبار اختلاف طبقات الأرض في