الفصل السابع
في السياسة الشرعية
وقد ذكرت أحكاما كثيرة في القصاص والتغريمات والحدود والتعزيرات يعرف أغلبها من الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد وغير ذلك من متفرقات التوراة.
ولا يخفى على كل عاقل انه لا تستقيم المدنية ولا يطمئن الاجتماع ولا تسكن الثورات ولا يقل الظلم ولا تعرف الحقوق قرارها إلا بسيادة السياسة وسلطة التأديب وتدارك التغريم فان ذلك روح المدنية وحياة النفوس والحقوق ولم تنتظم بدون ذلك ملة ولا دولة ، بل لا تنتظم بدونها عائلة بيت ، وإن اختلفت مصادرها وتفاوتت مبانيها.
ولكن العهد الجديد يقول : قد سمعتم انه قيل ـ أي في التوراة ـ عين بعين وسن بسن ، وأما أنا فأقول لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخر أيضا ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا «مت ٥ ، ٣٨ ـ ٤١».
وان من يحمل الكلام على أحسن وجوهه وأصحها ينبغي أن لا يحمل هذا الكلام على المعارضة والمقاومة لسيادة السياسة الشرعية الإلهية ليترك العباد هملا ، ويكون شريكا للفاسقين والظالمين والكافرين ، بل ينبغي أن يحمل على التعليم لصاحب الحق بالملاينة وفضيلة العفو والتصدق بالمسامحة كما ندب القرآن الكريم الى التصدق بالقصاص وفضيلة العفو الذي هو أقرب للتقوى.