إنما يكون بالتوجه
الى شرقي جبل الشرات ، فإذا عرفت ذلك عرفت انه لا منافاة بين قول التوراة ان
اسماعيل سكن في برية فاران ، وبين القول بأنه سكن مكة.
فإن التوراة كثيرا
ما تحدد الأماكن بحدود واسعة خصوصا إذا لم تكن مدينة معروفة ، فإن مكة لم تكن عند
سكنى اسماعيل فيها مدينة ممصرة وإنما كانت برية بيداء.
وقد جرت عادة
التوراة بتحديد مثلها بالحدود الواسعة كأرض الجنوب «تك ٢٤ ، ٦٢ وعد ١٣ ، ٢٩» ،
وأرض المشرق «تك ٢٥ ، ٦» ، وأرض بني المشرق «تك ٢٩ ، ١» ، وعند الجبل وعند البحر «عد
١٣ ، ٣٩» ، فالمراد من برية فاران هي البرية الواقعة في شرقي سلسلة جبل الشرات ،
فانه لا برية له في غربه ، لأن غربه مضايق بالاردن وبحيرة لوط ووادي العربة والبحر
الأحمر ، وهذه البرية هي الشاملة للحجاز ومكة.
فالتوراة ذكرت
منزل اسماعيل في مكة والحجاز لا بالتعيين ، بل بالجهة الشاملة.
قال في الجلد
السابع من دائرة المعارف ص ٦٩١ : الحجاز قيل وأحسن ما قيل في تحديده ما قاله ابن
الكلبي «وهو العلامة النسابة في أواخر القرن الأول من الهجرة» : ان الحجاز عبارة
عن جبل الشرات وما اتصل به.
«فإن قال المتعرب»
: ان اسلوب الاصحاح الأول والثاني من التثنية يقتضي ان عبور بني اسرائيل من ايلة
ومن عصيون جابر الى شرقي جبل الشرات إنما كان بعد ارتحالهم من قادش التي هي برية
فاران ، وذلك يقتضي أن تكون قادش وبرية فاران في وادي العربة أو في غربيه ، فهي
إذا اما من فلسطين واما من برية سينا.
«قلت» : لعل
المتعرب قد غرته التراجم حيث جعلت أدوات العطف بلفظ «ثم» و «الفاء» اللتين هما
للترتيب ، وإنما هو محض تشهّي وتحكم من المترجمين ، فإن الأصل العبراني لم يقع فيه
العطف إلا بالواو ، وهي لمطلق