(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ولقد بيّنا هناك الاخبار الواردة في الفرق بين الرّسول والنّبىّ والمحدّث والامام بانّ الرّسول يسمع الصّوت ويرى في المنام ويعاين الملك في اليقظة ، وانّ النّبىّ يسمع الصّوت ويرى الملك في المنام ولا يعاين ، وانّ المحدّث والامام يسمع صوت الملك ولا يرى ولا يعاين (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) شيئا من مشتهيات القوى الحيوانيّة أو الانسانيّة من جهة الدّنيا أو من جهة الآخرة (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) شيئا خلاف متمنّاه إذا حصل أو قرب حصوله والآية تسلية للرّسول (ص) ممّا فعله منافقوا أمّته أو يفعلونه به وبشريعته وكتابه وخليفته وعترته فانّ امنيّته (ص) ان لا يخالف امره ، ولا يعصى ربّه ، ولا يغيّر شريعته وكتابه ، وان يتّبع خليفته ، ويودّ عترته ، فانّه روى بطريق الخاصّة عن أمير المؤمنين (ع) في حديث فيذكر جلّ ذكره لنبيّه (ص) ما يحدثه عدوّه في كتابه من بعده بقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) (الآية) انّه ما من نبىّ تمنّى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم الى دار الاقامة الّا ألقى الشّيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الّذى انزل عليه ذمّه والقدح فيه والطّعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ، ولا يصغي اليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ، ويحكم الله آياته بان يحمى أوليائه من الضّلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطّغيان الّذين لم يرض الله ان يجعلهم كالأنعام حتّى قال بل هم اضلّ ، وروى عن ابن عبّاس وغيره بطريق العامّة انّ النّبىّ (ص) لمّا تلا سورة والنّجم وبلغ الى قوله (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشّيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وانّ شفاعتهنّ لترجى فسرّ بذلك المشركون فلمّا انتهى الى السّجدة سجد المسلمون وسجد أيضا المشركون لمّا سمعوا من ذكر الهتهم ما أعجبهم ، وقيل : انّ تمنّى بمعنى تلا يعنى ما من نبىّ الّا إذا تلا آيات كتابه ألقى الشّيطان في تلاوته فانّه يستعمل تمنّى الكتاب بمعنى قرأه ، وهذا الخبر المروىّ منهم ان صحّ فهو مؤوّل بما لا ينافي مقام النّبىّ ، والغرانيق جمع مفرده الغرنيق بضمّ الغين وفتح النّون أو كزنبور أو كقنديل أو كسموئل أو كفردوس أو كقرطاس والكلّ بمعنى الشّابّ الحسن الأبيض (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) اى المبدّلون في كتابه أو شريعته بان ينسخ ما أرادوا ممّا ألقوا من القلوب أو ما يلقى الشّيطان أو الكفّار في تلاوته بان ينسخ اثره من القلوب أو ما يلقى الشّيطان في متمنّاه حين تمنّى علىّ (ع) وفاطمة (ع) أو ما يلقى الشّيطان في متمنّياته من الجهة الدّنيويّة الحيوانيّة بان ينسخ تلك الجهة من نظره (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) بان لا تتغيّر ولا تتبدّل ولا تزول عن قلوب المؤمنين ولا عن نظر النّبىّ (ص) (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم صلاح عباده في ان يخلّى الشّيطان حتّى يلقى ما يريد في متمنّى النّبىّ (ص) ليختبر بذلك الخالص والمغشوش فيتميّز المؤمن عن المنافق (حَكِيمٌ) لا يفعل الّا لغايات متقنة والّا بالنّظر الى استعدادات مكمونة قدّم المعطوف قبل تمام المعطوف عليه لئلّا يتوهّم متوهّم انّ هذا الجعل خال من الحكمة (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) يعنى ليس ما يلقى الشّيطان خارجا عن اختيارنا وان كان غير مرضىّ لنا وانّما خلّينا بينه وبين ما أراد إلقاءه لنجعل ما يلقى الشّيطان (فِتْنَةً) الفتنة الاختبار والضّلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب والإضلال وإذابة الذّهب والفضّة والمحنة والاختلاف في الآراء ، والكلّ مناسب هاهنا فانّ الكلّ يمكن ان يراد (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) الّذين لم يبق لقلوبهم استعداد الصّحّة (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) الجملة حاليّة والمراد بالظّالمين الصّنفان المذكوران ، ووضع الظّاهر موضع المضمر اشارة الى وصف ذمّ آخر لهم والمعنى ألقى الشّيطان ذلك لنجعل ما يلقيه فتنة والحال انّهم لا يرجى لهم الخير لكونهم في معاداة أو خلاف بعيد (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) الّذى هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء أو العلم الّذى هو تميز دقائق الكثرات