وحينئذ يكون قوله الى أجل مسمّى قيدا لتحصيل الانتفاع لا لنفس المنافع (ثُمَّ مَحِلُّها) اى محلّ البدن أو مناسك الحجّ (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يعنى مكّة وما حولها فانّ البيت هاهنا اعمّ من الحرم أو محلّ العبادات وانتهاء حلولها ونزولها الى البيت العتيق المعتق القديم الّذى هو البيت المعمور (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) يعنى لا بدع في الأضحيّة كما يقوله العجم وتنكر أذى الحيوان ولا في مناسك الحجّ كما يقول من لا خبرة له : انّ هذه الأفعال ليست من افعال العقلاء ، ولا في مطلق العبادات كما يقوله المتصوّفة الاباحيّة لانّا جعلنا لكلّ أمّة منسكا خاصّا من القرابين والاضحيّات ومن المناسك المخصوصة في ايّام مخصوصة أو من العبادات والأوامر والنّواهى القالبيّة والقلبيّة والرّياضات البدنيّة والنّفسيّة (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) قد مرّ بيان لبهيمة الانعام في اوّل سورة المائدة ، والتّعليل به للاشعار بانّ المقصود من جميع العبادات وجميع الانتفاعات والالتذاذات هو تذكّر المعبود لا غير (فَإِلهُكُمْ) يعنى ان كان متعبّداتكم متخالفات فلا ينبغي لكم التّخالف والتّباغض بسبب انّ إلهكم (إِلهٌ واحِدٌ) وهذا يقتضي الاتّفاق لا الاختلاف (فَلَهُ أَسْلِمُوا) اى انقادوا أو اجعلوا أنفسكم ذوات سلامة من الآفات أو القيود الّتى تورثكم اللّجاج والعناد (وَبَشِّرِ) خطاب لمحمّد (ص) أو لكلّ من يتأتّى منه الخطاب فيكون في معنى وبشّروا عطفا على أسلموا اى أسلموا له وبشّروا (الْمُخْبِتِينَ) من الخبت بمعنى المكان المتّسع أو من الخبيت بمعنى الحقير ولعلّ التّوصيف بالأوصاف الآتية كان باعتبار المعنيين وفسّر بالخاشعين باعتبار تحقير النّفس وبالمطمئنّ الى الله باعتبار معنى الاتّساع ، وقوله تعالى (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) عندهم (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) ناظر الى معنى الحقارة ، وقوله (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) ناظر الى معنى الاتّساع فان اتّساع القلب يورث تحمّل البلايا من غير جزع (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) لمّا كان الصّبر هو البقاء على الحال الاولى من دون حدوث شيء وتجدّد ، واقامة الصّلوة عبارة عن دوام التّوجّه الى الحقّ الاوّل تعالى شأنه كان المناسب فيهما الإتيان باسم الفاعل ، ولمّا كان المطلوب من الإنفاق تجدّده على سبيل الاستمرار أتى به مضار عاد الّا على التّجدّد الاستمرارىّ (وَالْبُدْنَ) البدن بالضّمّ والسّكون والبدن بالتّحريك والبدن ككتب جمع البدنة كالخشبة وهي سمينة من النّوق الّتى تهدى الى مكّة أو من النّوق والبقر (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من جملة علائم دينه أو مناسك بيته (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) مثل لكم فيها منافع (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) اى قياما للنّحر مقيّدة على سنّة محمّد (ص) وهي ان تعقل احدى يديها وتقوم على ثلاث أو ان تربط يداها ما بين الرّسغ الى الرّكبة (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) سقطت على الأرض كناية عن خروج الرّوح منها (فَكُلُوا مِنْها) ولو بقدر اكلة وليس الأمر للوجوب فهو امّا للاستحباب أو الاباحة فانّ القوم في الجاهليّة كانوا يحرّمون الاكل منها ، وقيل الأمر للوجوب (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) الّذى يقنع بما اعطى وبما في يده ولا يسأل (وَالْمُعْتَرَّ) اى المعترى الّذى يتعرّض للمعروف ولا يسأل (كَذلِكَ) التّسخير للذّبح والاكل (سَخَّرْناها لَكُمْ) في سائر منافعكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة تسخيرها أو لتذكّروا أنعامنا عليكم فتشكرونا على جميع نعمنا (لَنْ يَنالَ اللهَ) جواب لسؤال مقدّر فانّه تعالى لمّا قال : ومن يعظّم شعائر الله فانّها من تقوى القلوب وكان المنظور من شعائر الله هاهنا الاضحيّات وكان الاضحيّة ما يهراق دمه ويؤكل لحمه ووصفها الله تعالى بالاقتران بتقوى القلوب صار المقام مقام ان يسأل هل يصل الى الله لحومها ودماؤها؟ ـ فقال جوابا له :