والخطرات القلبيّة وتصرّفات الواهمة كلّها أقوال القوى ، فاذا كان هذه على سبيل الاستقامة الانسانيّة يعنى كانت متّصلة بطريق الولاية أو منتهية إليها كانت أقوال الصّدق ، وإذا لم تكن على ذلك كانت أقوال الزّور كائنة ما كانت ، وعلى هذا كان المعنى فاجتنبوا الرّجس الّذى هو انانيّة النّفس الّتى هي صنمها الحقيقىّ وكلّما يتبعها من الاهوية الكاسدة والمعبودات الباطلة والمنظورات الفانية ، واجتنبوا كلّ قول أو فعل أو خاطر أو خيال أو تخيّل يكون سبب الانحراف عن الحقّ أو مسبّبا عن الانحراف ، ولمّا كان الاجتناب قيدا ورينا للنّفس وحاصلا لها من انانيّة ما ، ومورثا لانانيّة اخرى إذا كان بالتفات من النّفس وهوى منها والمطلوب التّجرّد من الانانيّة مطلقة والتّطهّر من الهوى ولو كان هوى التّقرّب الى الله قال تعالى (حُنَفاءَ) اى خالصين من الانانيّة والهوى ولو كان هوى الخلاص من الهوى (لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) تأكيد لحنفاء (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) باىّ نحو من الإشراك حتّى الإشراك بهوى الاجتناب من الهوى (فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) تشبيه للمعقول بالمحسوس لانّ الإنسان من سماء الإطلاق وبالاشراك والتّقيّد ينزّل عن سماء الإطلاق الى ارض التّقيّد (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) اى طير الاهوية والآمال (أَوْ تَهْوِي) عطف على خرّ أو على تخطفه وهو الأوفق (بِهِ الرِّيحُ) اى ريح الشّهوات والغضبات والجهالات الشّيطانيّة (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) اى بعيد شبّه المشرك في حالاته بمن سقط من السّماء فانّ اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة بالاشراك والانانيّة تسقط من سماء الإطلاق الى ارض التّحدّد وبعد سقوطه الى مقام التّعيّن والانانيّة امّا يتصرّف فيها الآمال والبخل والحسد وأمثالها الّتى هي تتولّد في الإنسان من تركّب الشّهوة والغضب والشّيطنة ، أو تتصرّف فيها الشّهوة ، أو الغضب ، أو الشّيطنة الّتى هي كالبسائط فشبّه المتصرّف فيه الآمال والحسد وأمثالها الّتى هي كالمواليد بمن تخطفه الطّير والمتصرّف فيه الشّهوة وأمثالها الّتى هي كالعناصر في البساطة بمن تهوى به الرّيح فلفظة أو للتّنويع لا للتّخيير في التّشبيه (ذلِكَ) مضى هذه الكلمة قبيل هذا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) نظير من يعظّم حرمات الله وتأكيد له وقد مضى في سورة البقرة بيان للشّعائر وهي كالحرمات مطلق ما له تعلّق بالدّين وله حرمة وقد فسّرت مثل الحرمات هاهنا بملاحظة المقام بمناسك الحجّ وبالهدى مخصوصا والحقّ انّه على عمومه ورد لكنّ النّظر الى المناسك أو الى الهدى بقرينة المقام (فَإِنَّها) اى الشّعائر (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) من قبيل اقامة السّبب مقام الجزاء فانّ التّقدير من يعظّم صار من المتّقين لانّها من تقوى القلوب ، وكون الشّعائر من تقوى القلوب مع انّ أكثرها من الكثرات الشّاغلة للقلوب عن الله باعتبار انّ للقلب وجهين وجها الى الكثرات ووجها الى الوحدة وبهذين الوجهين يصحّ منه السّلوك ويقع منه الجذب ، وبسلوكه المشار اليه بقوله تعالى (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) يكون التّقوى منه بحفظ الكثرات وإعطاء الحقوق لأهلها ، وإعطاء الحقوق لأهلها ليس الّا بالتزام أو امره تعالى ونواهيه في الكثرات وبجذبه المشار اليه بقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) يكون التّقوى منه بطرح الكثرات وترك الالتفات الى ما سوى الله فيكون تعظيم الشّعائر الّتى هي أوامر الله ونواهيه القالبيّة والقلبيّة وأنبياؤه وأولياؤه (ع) بقوالبهم الملكيّة والملكوتيّة كلّها من تقوى القلوب لا الاشتغال بالحضور فقط وطرح ما سوى الحضور (لَكُمْ فِيها) اى في الشّعائر يعنى البدن الّتى تهدى الى مكّة (مَنافِعُ) من ظهورها وأوبارها وألبانها ونتائجها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) الى ان يجعل هديا فانّ المنافع تنقطع بعد ذلك كما قيل : أو الى وقت النّحر ، أو لكم في مناسك الحجّ منافع في الدّنيا بكثرة البركات وفي الآخرة بكثرة الأجور ، أو لكم في مطلق العبادات منافع دنيويّة بحفظ الدّماء والأموال والاعراض وصحّة التّوارث والتّناكح ، وفي الآخرة بالأجور