ادّاه بلفظ الضّامر ، ولمّا لم يكن الآتون يستوعبون بافرادهم جميع الضّامرات الّتى في العالم وصفه بقوله (يَأْتِينَ) يعنى يأتين لقصد صاحبيهنّ مكّة (مِنْ كُلِّ فَجٍ) اى طريق واسع وهو في الأصل الطّريق الواسع بين الجبلين لكن اتّسع واستعمل في مطلق الطّريق (عَمِيقٍ) اى بعيد يعنى من كلّ فجّ في أطراف مكّة لا في العالم ، وهذه التّقييدات خلاف ظاهر الآية ولا بدّ منها لتصحيح تنزيلها ، فانّ ظاهر الآية هكذا اذّن في النّاس جميعا فانّ اللّام في مثله ليس الّا للاستغراق يأتوك بأجمعهم رجالا وركبانا على كلّ ضامر في العالم يأتين من كلّ فجّ عميق في العالم ، والحال انّه ما أتوا أو لا يأتى جميع النّاس ولا كلّ الضّامرات يأتين ولا كلّ الضّامرات الآتيات يأتين الى مكّة ولا كلّ الآتيات الى مكّة مركوبات للحاجّين ولا كلّ المركوبات للحاجّين يأتين من كلّ فجّ عميق في العالم ، لكنّه لمّا أراد التّنبيه على التّأويل ادّى الآية بهذه العبارة فانّها بإطلاقها وعمومها في جميع ألفاظها صحيحة بحسب التّأويل ، لانّه إذا اذّن إبراهيم (ع) الّذى في العالم الصّغير أو محمّد (ص) فيه بلسان الرّسالة أو الولاية في النّاس في العالم الصّغير بحجّ بيت الله الحرام الّذى هو القلب اسمع الله تعالى نداءه لجميع القوى الانسانيّة الموجودة والمكمونة المجرّدة عن الاختلاط بالقوى الحيوانيّة والمختلطة بها البعيدة من حرم الصّدر المنشرح بالإسلام المحتاجة في سيرها الى مكّة القلب الى ركوب القوى الحيوانيّة ، وهيّج الله بعد الأسماع جميع القوى الانسانيّة الّتى هي افراد الإنسان في العالم الصّغير وأتوا الى القلب وصاحبه وكان الحاضرون حول حرم الصّدر وبيت القلب مشاة في مجيئهم لعدم اختلاطهم بالقوى الحيوانيّة وعدم احتياجهم الى ركوبها ، وكان المتباعدون عن الحرم والبيت راكبين ومختلطين بالقوى الحيوانيّة ولذلك كان الحجّ ماشيا لأهل الحرم أفضل ويتدرّج الى الفعليّة القوى المكمونة الغير الخارجة من القوّة الى الفعل ، وبعد الخروج من القوّة الى الفعليّة تأتى الى بيت الله وتطوف حول القلب مشاة وركبانا (لِيَشْهَدُوا) اى ليحضروا (مَنافِعَ لَهُمْ) دينيّة ودنيويّة فانّ الآتي الى مكّة يعمّه الرّحمة الالهيّة الّتى تنزل من الحقّ على الحاجّين والمغفرة والبركات النّازلة ايّام الحجّ وبواسطتها يحصل له البركات الدّنيويّة وينتفع بلحوم الأضاحي ، وتنكير المنافع للاشعار بانّ المراد المنافع الحاصلة في ايّام الحجّ (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قيل هي العشر الاوّل من ذي الحجّة وهي الايّام المعيّنة لمناسك الحجّ ، وقيل : هي ايّام التّشريق يوم النّحر وثلاثة بعده ، وقيل : انّ المراد بالذّكر هاهنا التّسمية على الاضحيّة ، وقيل : المراد بالذّكر الذّبح لانّ صحّة الذّبح بالذّكر فسمّى به ، والحقّ انّ المراد مطلق ذكر الله سواء كان بالتّلبية في الإحرام أو بالتّضرّع والدّعاء في ايّام الحجّ ، أو بتذكّر القيام عند الله في القيامة بواسطة مشاهدة حال الإحرام الّذى هو تذكير للقيام عند الله في المحشر ، أو بالذّكر عند الذّبح ، أو بالتّكبيرات عقيب الصّلوات الخمس عشرة اوّلها صلوة الظّهر من يوم النّحر ، والايّام المعلومات هي ايّام الحجّ من اوّل الإحرام بالحجّ الى آخر ايّام التّشريق لانّ من أحرم بالحجّ علم انّه لا يفرغ من مناسكه الّا بعد ايّام التّشريق في النّفر الاوّل أو في النّفر الثّانى (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) وقد مضى في اوّل سورة المائدة بيان لبهيمة الانعام ، وتقييد الذّكر بقوله على ما رزقهم من بهيمة الانعام يشعر اشعارا ما بانّ المراد الذّكر على الذّبح (فَكُلُوا مِنْها) إباحة أو ندب للأكل وليس الأمر للوجوب (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) المراد منه هو الواقع في الشّدّة لفقره ولذلك أضاف اليه (الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) التّفث الشّعث والاغبرار وقضاؤه إزالته بالغسل والحلق وقلم الأظفار والطّيّب ، أو المراد بالتّفث مناسك الحجّ أو الإحلال من الحرام ، أو ما يلزم الإنسان في الإحرام من تبعة قول أو فعل ، وقضاؤه تداركه بما يكفّره ، أو المراد بالتّفث التّعلّقات النّفسانيّة الباقية على الإنسان في الإحرام وقضاؤه بلقاء الامام (ع) فانّ من