غاية الخضوع ، والخضوع في كلّ بحسبه ، وغاية الخضوع للمختارين ان يخرجوا من إراداتهم واختياراتهم وانانيّاتهم ، ويدخلوا تحت اختيار المسجود له وانانيّته ، ولمّا كان السّقوط على التّراب ظهور ذلك الخروج سمّى سجدة الصّلوة سجودا ، ولمّا كان كلّ الموجودات بفطرة وجودها مسخّرة تحت امر الحقّ تعالى كان الكلّ ساجدة له بفطرة وجودها فيسجد له (مَنْ فِي السَّماواتِ) جملة تكوينا واختيارا (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) تماما تكوينا وبعضهم اختيارا أيضا (وَالشَّمْسُ) بجريها (وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ) مطلق ما ينبت من الأرض أو خصوص ما له ساق كما هو معناه اللّغوىّ (وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) عطف على من في السّموات فيكون المعنى وكثير من النّاس اختيارا ، أو مبتدء خبره ما بعده والجملة معطوف على جملة الم تر (وَكَثِيرٌ) ابتداء كلام على ان يكون كثير من النّاس من عطف المفرد ، أو تكرير وتأكيد للاوّل (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) خبر للاوّل أو الثّانى (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) جملة معطوفة أو حاليّة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) في مقام التّعليل قد مضى في سورة البقرة عند قوله تعالى (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) بيان تامّ لهذه الآية (هذانِ خَصْمانِ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال من يجادل في الله والمؤمنين الّذين يجادلون الكفّار معهم في الله؟ ـ فقال : هذان خصمان والخصم في الأصل مصدر يطلق على المؤنّث والمذكّر والمثنّى والمجموع ، أو هو وصف كذلك وقد يثنّى ويجمع كما هنا (اخْتَصَمُوا) اى تجادلوا (فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى الّذين يجادلون في الله بغير علم (قُطِّعَتْ) كناية عن الخياطة واستعمله هاهنا تهكّما واستهزاء (لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) وأتى بالماضي للاشعار بتحقّق وقوعه (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) الحميم الماء الحارّ والماء البارد ضدّ (يُصْهَرُ بِهِ) اى يشوى أو يذاب به (ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) يعنى يصل اثره من ظاهرهم الى باطنهم فيشوى باطنهم وظاهرهم ، وتقديم الباطن للاهتمام به في مقام التّهديد (وَلَهُمْ) اى خاصّة بهم (مَقامِعُ) جمع المقمعة كالمكنسة العمود من الحديد وجمع المقمع كالمكحل الخشبة الّتى يضرب بها رأس الفيل (مِنْ حَدِيدٍ) التّقييد به للتّصريح بانّه جمع المقمعة لا المقمع (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) اى من النّار أو من المقامع بمعنى الخروج من عذابها (مِنْ غَمٍ) لا من شوق فانّهم ان اشتاقوا وأرادوا الخروج من شوق الى المراتب العالية خرجوا لا محالة فانّ قائد الشّوق يقودهم ولا يدعهم في الجحيم (أُعِيدُوا فِيها) بتلك المقامع (وَ) يقال لهم (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) اى النّار الحريق المحرقة على ان يكون الحريق اسما للمصدر أو وصفا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، أو عذاب الماء الحميم الحريق (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كان حقّ العبارة ان يقول والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قطّعت لهم ثياب من النّعيم أو لهم جنّات (الى آخرها) لكنّه عدل الى هذه العبارة تشريفا للمؤمنين بجعلهم ارفع شأنا من ان يجعلوا قرينا للكافرين ، وافادة لهذا المعنى مع تشريفهم بنسبة معاشرة الجزاء الى الله ، واشعارا بانّ جزاء الكافرين من لوازم أعمالهم وجزاء المؤمنين بمحض التّفضّل من الله ، ولم يقتصر على الايمان كما اقتصر في جانب الكفّار على الكفر لانّ الكفر كان في العقوبة بخلاف الإسلام فانّه ان لم يقترن بالعمل الصّالح الّذى هو الولاية أو من جملته الولاية لم يكف في الجزاء بل كان صاحبه مثل المرجين لأمر الله غير محكوم عليه بشيء الى وقت الموت بخلاف من تولّى عليّا فانّهم محكوم عليهم بأنّهم يدخلهم الله (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى مكرّرا انّ المراد