(ذلِكَ) الخزي والعذاب (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) بسبب الّذى قدّمته يداك ، أو بتقديم يديك شنائع الأعمال وليس بدون استحقاق واستعداد منك فيكون ظلما ، ولمّا كان أكثر الأعمال جارية على اليدين نسب جميع الشّنائع من الأفعال والأقوال والأحوال والأخلاق الى اليدين (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) عطف على ما قدّمت يداك ، ونفى الظّلم كناية عن العدل يعنى ذلك بسبب انّه عادل والعدل يقتضي إعطاء كلّ مستحقّ حقّه وانّك استحققت الخزي والعذاب ، والظّلّام للنّسبة كالتمّار لا للمبالغة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الحرف الطّرف والجانب ، شبّه العابد الشّاكّ في امره المتزلزل في عبادته بالغازى الغير العازم على القتال الشّاكّ المتزلزل من امر الغلبة الّذى يكون دائما على طرف من الجنود فان كان فتح وغلبة يوافق الجند والّا يفرّ وصحّ تفسيره بالشّاكّ في الله وبمن اقرّ بالله وشكّ في محمّد (ص) ، وبمن تزلزل في امره وترقّب الخير والشّرّ بحسب دنياه كما قال (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) والمراد بالخير الخيرات البدنيّة وبالفتنة الشّرور البدنيّة ، ويجوز ان يراد بالحرف الكسب يعنى من النّاس من يعبد الله مشتملا على كسب منه للدّنيا والخيرات البدنيّة في عبادته يعنى يجعل عبادته وسيلة لدنياه فان أصابها اطمأنّ والّا انقلب مكبّا على وجهه (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) خسر بمعنى ضلّ وصار مغبونا وباع بنقصان رأس المال ونقص المال مثل أخسر في الأخير ، ونصب الدّنيا والآخرة على الظّرفيّة في الجميع ، أو على الظّرفيّة في غير الأخير وعلى كونه مفعولا به في الأخير ، أو على التّشبيه بالمفعول به في الجميع ، أو في غير الأخير مثل حسن الوجه ، بنصب الوجه ، وخسرانه في دنياه بإنفاد عمره الّذى هو بضاعته الثّمينة بلا عوض فانّ العوض في الدّنيا هو التّلذّذ بمناجاة الله وفراغ القلب عمّا يشوّشه وطهارته عن الحقد والحسد والبخل وسائر الرّذائل ، وفي الآخرة نعيمها وجنّاتها ورضوان من الله وهو أكبر ، وهذا العابد محروم من الكلّ ، على انّه لا يستلذّ بمستلذّاته الحيوانيّة أيضا في الدّنيا لعدم اطمينانه واضطرابه في كلّ حال (ذلِكَ) الخسران الّذى هو الحرمان عن مستلذّات الإنسان في الدّنيا والآخرة ، وعن مستلذّات الحيوان (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) اى من دون اذن الله أو من للتّبعيض والظّرف مستقرّ حال من قوله (ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) لانّ مدعوّه ومعبوده في الحقيقة هوى نفسه وهو يزعم انّه يعبد الله في طرف من الدّين وهوى نفسه لا يقدر على ضرّه ولا على نفعه والآية تعريض بمن اقرّ بمحمّد (ص) ورسالته ولم يقرّ بقوله في علىّ (ع) ولا بعلىّ (ع) (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) نسبة البعد الى الضّلال مجاز عقلىّ والحصر هاهنا وفي قوله ذلك هو الخسران المبين حقيقىّ أو ادّعائىّ (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) يدعو بتضمين يقول ، ولمن ضرّه مبتدء واللّام موطّئة للقسم وقوله (لَبِئْسَ الْمَوْلى) خبره ولامه لام جواب القسم اخّرت الى الخبر كراهة الجمع بين اللّامين كما قيل ، أو خبر الموصول محذوف اى يقول من ضرّه أقرب من نفعه مولاي ولبئس المولى ابتداء كلام ، أو بتضمين يزعم أو يعلم ويكون الجملة بجزئيها مفعولين له يعنى بعد ما يظهر له في الآخرة امر مدعوّه يقول أو يعلم من ضرّه أقرب من نفعه بئس المولى ويكون الفعل إذا كان بمعنى يزعم أو يعلم ويكون الجملة بجزئيها مفعولين له يعنى بعد ما يظهر له في الآخرة امر مدعوّه يقول أو يعلم من ضرّه أقرب من نفعه بئس المولى ويكون الفعل إذا كان بمعنى يزعم أو يعلم معلّقا عن مفعوليه بواسطة اللّام ، أو يدعو تأكيد ليدعو السّابق واللّام موطّئة مثل السّابق الّا انّه لا تعلّق حينئذ للجملة بيدعو (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) المعاشر المصاحب (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كان الأوفق بالمقابلة ان يقول : ومن النّاس من يؤمن بالله