ولا يحييه بعد موته (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعنى ذلك بسبب انّ شيمته احياء الموتى مع انّه قادر على ذلك فلا يدع البتّة الإنسان ميّتا (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) يعنى ذلك بسبب انّ عالم المادّة برمّتها متجدّدة ذاتا وصفة من النّقص الى الكمال وهذا معنى كون الكون في التّرقّى والمتجدّد من النّقص الى الكمال يخرج لا محالة من حجبه الّتى هي الحدود المانعة من الحضور عند ربّه والخارج من الحدود يقوم عند الرّبّ وليست السّاعة الّا القيام عند الرّبّ المضاف الّذى هو قائم آل محمّد (ص) (لا رَيْبَ فِيها) لا ينبغي الرّيب فيها أو لا يبقى الرّيب فيها بعد ملاحظة ترقّيات النّطف والحبوب والعروق أو جنس الرّيب منفىّ عنها بمعنى انّ من تصوّر السّاعة لا يرتاب فيها ، ومن ارتاب فيها لم يتصوّر السّاعة فالسّاعة غير مرتاب فيها ، والمرتاب فيها غير السّاعة (وَأَنَّ اللهَ) شيمته انّه (يَبْعَثُ) لا محالة (مَنْ فِي الْقُبُورِ) كما ترى من بعثه جميع القوى المكمونة في النّطف والأراضي فكيف يدع الإنسان الّذى هو أشرف الموجودات ولا يبعث الأرواح والقوى المكمونة في بدنه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) جملة حاليّة أو مستأنفة أو معطوفة على مقدّر مثل سابقتها ، وتكريرها للاستغراق بكلّ منهما من جهة غير جهة الاخرى فتكون كلّ لافادة معنى غير مفاد الاخرى (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
اعلم ، انّ الإنسان ذو مراتب وإدراكه في كلّ مرتبة غير الإدراك الّذى في المرتبة الاخرى فانّه في مقام نفسه المحتجبة عن المعاني الغيبيّة لا يكون إدراكه الّا بصور المعلومات المغايرة للمعلومات المحتملة للمطابقة لها ولعدم المطابقة وفي هذه المرتبة تسمّى إدراكاته بالتّصوّر والأوهام والشّكوك والظّنون والعلوم العاديّة والتّقليديّة واليقينيّة ولكن في عرف الشّرع تسمّى جملة تصديقاته الظّنيّة واليقينيّة بالظّنون لما تكرّر سابقا انّ العلوم في تلك المرتبة لمّا كانت مغايرة للمعلومات ومنفكّة عنها وجائزا زوالها كالظّنون تسمّى ظنونا ، فان كان إدراكه بجولان نفسه وترتيب مقدّمات وفكر ونظر من نفسه يسمّى علما برهانيّا ، وان كان بالتّسليم والأخذ من الغير يسمّى تقليديّا ، والتّقليد امّا يكون بالاستماع من المقلّد أو بمشاهدة كتاب منه ، والى الثّلاثة أشار بقوله (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ، وقدّم العلم لانّه أشرف من التّقليد من حيث نفسه وان كان التّقليد من حيث الخروج عن الانانيّة والتّسليم أشرف منه فانّ العلم الحصولى لا يخلو من شوب الانانيّة الّتى هي نحو من التّفرعن وادّعاء الآلهة ، وادّى العبارة بالهدى والكتاب المنير للاشعار بانّ التّقليد ان كان ممّن يصحّ تقليده بان يكون مجازا من الله ومعلوما صدقه يصحّ التّوسّل به والاعتماد عليه في التّكلّم والجدال ، وامّا ان كان ممّن لا يصحّ تقليده من أمثاله واقرانه ومن آبائه ومعلّميه فلا يجوز الاعتماد عليه ، ويجوز ان يراد بالكتاب المنير العلم الشّهودىّ الحضورىّ الّذى يكون في مرتبة القلب والرّوح لصاحب الشّهود والعيان فانّ المشهود في تلك المرتبة كالمكتوب الحاضر في صفحة عند النّفس في الأعيان ، وعلى هذا يكون الأقسام الثّلاثة بترتيب الأشرف فالأشرف (ثانِيَ عِطْفِهِ) كناية عن الاعراض والاستكبار (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قرئ يضلّ من باب الأفعال ، ومن الثّلاثىّ المجرّد ، وسبيل الله هو الولاية ، والنّبوّة أيضا سبيل الله لانّها سبيل الولاية (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) بليّة فضيحة لانّ حال الجدل وارادة الغلبة على عباد الله والاستكبار عن العباد بلاء عظيم ولظى من جحيم وهو لأنهما كه في غيّه لا يستشعر بألمه (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) واختلاف المتعاطفتين بالاسميّة والفعليّة للاشعار بانّ الخزي لازم جداله غير محتاج الى جعل جاعل وانّه ثابت له في الدّنيا من دون اعتبار تجدّد بخلاف عذاب الآخرة فانّه محتاج الى الجعل ومتجدّد كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها قائلين له