وقيل : انّها كانت ثمانية أشهر أو سبعة أو ستّة أشهر. وعن الباقر (ع) انّه تناول جيب مدرعتها فنفخ فيه نفخة فكمل الولد في الرّحم من ساعته كما يكمل في أرحام النّساء تسعة أشهر فخرجت من المستحمّ وهي حامل مجّح (١) مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ومضت مريم (ع) على وجهها مستحيية من خالتها ومن زكريّا (ع) (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) فانعزلت مع الحمل (مَكاناً قَصِيًّا) بعيدا ، عن السّجّاد (ع) خرجت من دمشق حتّى أتت كربلاء فوضعت في موضع قبر الحسين (ع) ثمّ رجعت في ليلتها ، أقول : موضع مريم (ع) معروف في سمت الرّأس من مشهده (ع) (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) اى حركة الولد للطّلق مخضت المرأة كمنع وسمع وعنى مخاضا بفتح الميم ومخاضا بكسرها ومخّضت تمخيضا وتمخّضت أخذها الطّلق (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) اليابسة الّتى ألهمت ان تأتيها ، والجذع ما بين العرق والغصن (قالَتْ) بعد ما ولدت عيسى (ع) ونظرت اليه (يا لَيْتَنِي مِتُ) قرئ بكسر الميم وضمّها (قَبْلَ هذا) قالت ذلك استحياء ومخافة لومهم (وَكُنْتُ نَسْياً) قرئ بكسر النّون وهو أجود اللّغتين وبفتحها وهو في الأصل مصدر يستعمل في الشّيء الحقير الّذى من شأنه ان ينسى وفيما يلقى من الشّيء ولا يعتنى به (مَنْسِيًّا) التّوصيف به للمبالغة (فَناداها مِنْ تَحْتِها) قرئ بكسر الميم وفتحها والمنادي كان عيسى (ع) أو جبرئيل (ع) (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) شريفا (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) هزّه وبه حرّكه (تُساقِطْ) قرئ بضمّ التّاء الفوقانيّة وتخفيف السّين وكسر القاف ، وقرئ يساقط بفتح الياء التّحتانيّة وتشديد السّين وبفتحها وتخفيف السّين وبفتح التّاء الفوقانيّة وتشديد السّين (عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي) من الرّطب والماء ، أو كلى ممّا يتغذّى به واشربي ممّا يشرب في هذا المكان أو مطلقا (وَقَرِّي عَيْناً) بهذا الولد فانّه لا ينبغي ان تحزني بسببه ولا تكترثى بما توهّمت من لوم الجهّال (فَإِمَّا تَرَيِنَ) اى فان ترى (مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) فسألك عن ولدك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) اى سكوتا ولكونه بمعنى السّكوت فرّع عدم التّكلّم عليه ، قيل : كان في بنى إسرائيل انّه من أراد ان يجتهد في العبادة صام عن الكلام كما يصوم عن الطّعام ، ولذلك استعمل الصّوم في عدم التّكلّم (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) قيل : صارت مأذونة لهذا القدر من الكلام ، وقيل : كانت تفهم بالاشارة انّها صائمة ولا تتكلّم ، قيل : لفّته في خرقة (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا) بعد ما رأوها حاملة لمولود ولم يكن لها زوج (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) الفرىّ الأمر المختلق المصنوع أو العظيم (يا أُخْتَ هارُونَ) قيل : كان هارون امرء صالحا فنسبوها اليه استهزاء أو لصلاحها وعبادتها ، وقيل : انّ هارون كان أخاها لأبيها ، وقيل : انّ هارون كان معروفا بالفسوق فنسبوها اليه (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) حتّى اكتسبت هذا الفعل منه (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) بغت المرأة فجرت فهي بغىّ وبغوّ (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) ان كلّموه واسألوه (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ) يعنى شأنه ان يكون في المهد (صَبِيًّا) قيل : غضبوا من ذلك وقالوا : سخريّتها بنا أشدّ علينا من زناها (قالَ) عيسى (ع) (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) اقرّ لنفسه بالعبوديّة اوّلا لئلّا يتوهّموا ما توهّموه لكونه بلا أب وتكلّمه حين الولادة من انّه ابن الله أو انّه هو الله ، أو انّه ثالث ثلاثة (آتانِيَ الْكِتابَ) أتى بالماضي لتحقّق وقوعه ، أو لتحقّق استعداده ، والمراد بالكتاب الإنجيل أو كتاب النّبوّة (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) كثير الخير نفّاعا أو ناميا في الخير
__________________
(١) مجّح بتقديم الجيم على الحاء المشدّدة بمعنى عظيم البطن.