اولى والمعنى لا يستكبرون عن عبادته فكيف يكونون معبودين كما قال بعض أو بنات له تعالى أو بنين (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) حسر كضرب وفرح أعيا كاستحسر ، وكنصر وضرب كشف وانكشف (يُسَبِّحُونَ) ينزّهون الله عن النّقائص بلسان حالهم وقالهم وبفطرة وجودهم ولعدم جامعيّة الملائكة اقتصر على التّسبيح ولم يذكر الحمد لهم (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) اى في اللّيل والنّهار يعنى دائما فانّ غذاءهم التّسبيح ، وعالم الملائكة المقرّبين مشتمل على ليل ونهار لائقين به وان كان مجرّدا عن اللّيل والنّهار المحسوسين فانّ الملائكة المقرّبين بجهاتهم الوجوبيّة وجهاتهم الامكانيّة وبوجوداتهم وتعيّناتهم نهار وليل ، ويسبّحون الله بجميع جهاتهم وجميع مراتبهم (لا يَفْتُرُونَ) لا يضعفون عن التّسبيح فانّ التّسبيح كما قيل جعل لهم كالانفاس لنا (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) يعنى هذه حال من في السّماء من انّهم لا يدّعون الآلهة لأنفسهم ولا ينبغي لهم لانّهم عباد أذلّاء تحت قدرة الله بل هؤلاء المشركون اتّخذوا آلهة من الأرض يصحّ لهم الآلهة ويدّعون الآلهة (هُمْ يُنْشِرُونَ) يعنى يفعلون فعل الآلهة ، والإتيان بالضّمير المتقدّم للاشارة الى الحصر الاضافىّ بالنّسبة الى من في السّماء ، والنّشر بمعنى الحيوة والأحياء ، والأنشار الأحياء وقرئ ينشرون بفتح الياء وضمّها (لَوْ كانَ فِيهِما) اى في السّماء كما يقول من يقول بآلهة الملائكة والكواكب ، والأرض كما يقول من يقوم بآلهة الأصنام والعجل وبعض الاناسىّ وإبليس ، وكما يقول الثّنويّة (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) ليست الّا استثنائيّة لعدم صحّة الاستثناء لفظا ومعنى لعدم شمول الآلهة لكونه جمعا منكّرا في الإيجاب ، وللزوم جواز صحّة تعدّد الآلهة مع الله بحسب مفهوم مخالفة الاستثناء (لَفَسَدَتا) لكون الآلهة حينئذ تامّى القدرة والّا لم يكونوا الهة واقتضاء تماميّة القدرة صحّة تدافع كلّ وتمانعه عن مراد الآخر ، فان قيل انّ مرادهما يكون قرينا للحكمة فيكون مراد كلّ مرادا للآخر فلا يكون تدافع ، يقال : الاستدلال بصحّة التّدافع لا بوقوعه ، وصحّة التّدافع مستلزمة لصحّة الفساد فيهما ، وهذا هو استدلال المتكلّمين وبيانهم للآية وهو كما ترى.
والتّحقيق في بيان الآية ان يقال : انّها اشارة الى برهان تامّ يسمّى برهان الصّدّيقين وطريقهم وهو برهان الفرجة الّذى أشار اليه الصّادق (ع) من لزوم الفرجة واستلزام فرض آلهين آلهة ثلاثة واستلزام الثّلاثة خمسة وهكذا فانّه لو فرض الهين فامّا ان يكونا قديمين قوّيين أو حادثين ضعيفين ، أو يكون أحدهما قديما قويّا والآخر حادثا ضعيفا ، والأخيران خلاف الفرض ومثبتان للتّوحيد ، وان كانا قديمين واجبين والوجوب من صفات الوجود ، والوجود كما سبق في اوّل الكتاب متأصّل في التّحقّق ، وتحقّق كلّ متحقّق يكون بتحقّقه ، وسبق انّ الوجود حقيقة واحدة لا تكثّر فيه بوجه من وجوه التّكثّر ، وانّ تكثّره لا يكون الّا بضمائم ، فاذا كان القديمان واجبين بالذّات كانا مشتركين في حقيقة الوجود ، وتعدّدهما وافتراقهما لا يكون الّا بضميمة ولا اقلّ من انضمام ضميمة الى واحد منهما حتّى يصحّ الافتراق بالإطلاق والانضمام ولا يكون الضّميمة من سنخ المهيّات والّا لزم ان يكون الكلّ ممكنا حادثا هذا خلاف الفرض ، بيان الملازمة انّ المركّب تابع لاخسّ اجزائه والمهيّة من حيث ذاتها لا تكون الّا ممكنة ، والممكن لا يكون الّا حادثا فالكلّ الّذى صارت المهيّة جزء له لا يكون الّا ممكنا حادثا ولا تكون من سنخ العدم وهو واضح فيكون من سنخ الوجود فيصير المفروض الهين ثلاثة ولمّا كانت الثّلاثة مشتركة في حقيقة الوجود فلا يكون التّعدّد الّا بضمائم واقلّها ضميمتان فيصير الثّلاثة خمسة ، وننقل الكلام الى الخمسة فتصير تسعة وهكذا الى ما لا نهاية له وهذا البرهان بعد إتقان المقدّمات من اسدّ البراهين وأتمّها لانّه يؤخذ من النّظر الى نفس حقيقة الوجود من غير اعتبار شيء آخر معها ، وكما لا يحصل المعرفة التّامّة بالله الّا برفع الحجب والمظاهر ونفى الأسماء والصّفات وكشف سبحات الجلال