ما في الأرض في قولنا : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) (الآية) وبالاستخلاف في الأرض والتّمكين في الدّين وتبديل خوفهم امنا في قولنا (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (الآية) وبالانجاء من أعدائهم والظّفر عليهم وغير ذلك (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) الإسراف ضدّ القصد والقصد استعمال الأموال والأعضاء والقوى والمدارك فيما ينبغي بقدر ما ينبغي لا ناقصا منه ولا زائدا عليه ، فالإسراف بهذا المعنى اعمّ من التّقتير والتّبذير ، وقد يستعمل الإسراف في مقابل التّقتير والتّبذير فانّ التّبذير صرفها فيما لا ينبغي صرفها فيه ، والتّقتير التّقصير في صرفها فيما ينبغي أو على قدر ما ينبغي ، والإسراف صرفها فيما ينبغي زائدا على قدر ما ينبغي ، والمعنى الاوّل هو المراد هاهنا لانّ المراد بالإسراف هاهنا عدم الانقياد للأنبياء (ع) والتّقتير في صرف المدارك والقوى في جهة الانقياد لهم وفيه ترغيب للانقياد للنّبىّ وتهديد عن المخالفة له (ص) (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً) بعد ما أتمّ التّرغيب والتّخويف خاطب قريشا أو العرب (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) اى صيتكم وشرفكم أو سبب ذكركم بين الخلق أو سبب تذكّركم للآخرة (أَنْزَلْنا) تعرضون (فَلا تَعْقِلُونَ) انّ فيه ذكركم أو لا تصيرون عقلاء فتصيرون ظالمين (وَكَمْ قَصَمْنا) الجملة حاليّة وكم خبرية أو استفهاميّة والقصم الكسر وهو كناية عن الإهلاك سواء أريد من قوله تعالى (مِنْ قَرْيَةٍ) أهل القرية باستعمالها مجازا في أهلها ، أو بتقدير من أهل قرية ، أو أريد نفس القرية ويكون كسرها كناية عن هلاك أهلها (كانَتْ ظالِمَةً) صفة قرية أو جواب للسّؤال عن حال القرية ، أو عن علّة القصم وعلى اىّ تقدير فهو يفيد التّعليل (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) عطف على كم قصمنا من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) اى يهربون (لا تَرْكُضُوا) جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : فما ينبغي ان يقال لهم؟ ـ قال تعالى يقال توبيخا وتهكّما : لا تهربوا (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) أترفته النّعمة أطغته ، واترف فلان على البناء للفاعل اصرّ على البغي ، واترف فلان على البناء للمفعول ترك ونفسه يصنع ما يشاء ، أو تنعّم لا يمنع من تنعّمه ، أو تجبّر (وَمَساكِنِكُمْ) وقيل : انّ الملائكة بعد نزول العذاب بهم من القتل وغيره قالوا ذلك استهزاء (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) اى يسألكم السّائلون من دنياكم كما كانوا يسألونكم قبل ذلك ، أو لعلّكم تسألون عن نعمكم كيف فعلتم بها ، أو تسألون عن نعمكم ما لها لا تدفع العذاب عنكم؟ أو لعلّكم يسألكم الأنبياء (ع) الايمان بهم كما كانوا قبل ذلك يسألونكم ، وعلى اىّ تقدير فهو للاستهزاء بهم (قالُوا يا وَيْلَنا) بعد احساس العذاب قالوا ذلك ، والويل الفضيحة أو هو كلمة تفجّع ، أو الوقوع في الهلكة وحلول الشّرّ وهو منادى بجعله كذوى العقول ، أو المنادي محذوف والتّقدير يا قوم انظروا ويلنا (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) استيناف في مقام التّعليل يعنى اعترفوا بعد معاينة العذاب بظلمهم لأنفسهم أو لانبيائهم أو للخلق بمنعهم عن الانقياد للأنبياء (ع) أو بغير ذلك ولا ينفعهم ذلك بعد معاينة العذاب (فَما زالَتْ تِلْكَ) الدّعوى الّتى هي نداء الويل (دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) كالنّبت الحصيد ولذلك لم يجمع أو شبّههم بالزّرع الواحد المشتمل على ساقات عديدة فوحّد الحصيد (خامِدِينَ) وصف لحصيدا أو مفعول بعد مفعول لكون مفعول جعل خبرا في الأصل كناية عن الاستيصال ، قيل : كانت الآية في أهل قرية من اليمن أرسل الله إليهم نبيّا فقتلوه فسلّط الله عليهم بختنصّر فهزموا من ديارهم فردّهم الملائكة فقتل صغارهم وكبارهم حتّى لم يبق لهم اسم ورسم ، وذكر في اخبار : انّ هذه الآية نزلت في ظهور القائم (ع) فانّه إذا خرج الى بنى أميّة بالشّام وهربوا الى