فانّهم لو تركوهم لجالوا حتّى يجدونا كما في خبر (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) لانّكم كنتم على صورة الإسلام من غير الإتيان بشروطه وعهوده ولم تكونوا على الايمان الحقيقىّ ولا على الإسلام الحقيقىّ بل كنتم منتحلين بصورة الإسلام والايمان الفطرىّ الّذى هو حبل من الله لم يكن يكفى بدون الإسلام التّكليفىّ والايمان التّكليفىّ الّذى هو حبل من النّاس (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) سلطنة على باطنكم وايمانكم وحجّة واضحة لظاهركم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) عن الامام والايمان وكنّا ندعوكم الى الضّلال فجعلتم صورة دعوتنا الّتى كانت بصورة اعمال الدّين خديعة لنفوسكم ووسيلة لمآربكم النّفسانيّة (فَحَقَّ عَلَيْنا) اى علينا وعليكم (قَوْلُ رَبِّنا) بالعذاب (إِنَّا لَذائِقُونَ) اى العذاب والجملة بمنزلة النّتيجة لسابقها (فَأَغْوَيْناكُمْ) الفاء للسّببيّة (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) في موضع التّعليل (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كانوا في الغواية مشتركين (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) بمطلق المجرمين أو بهذا الصّنف من المجرمين يعنى المشركين (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن سماعه وقبوله (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) من غير تحقيق لقوله ودينه ومن غير تعمّق في وصف آلهتهم ودينهم (بَلْ) ليس بشاعر يأتى بالباطل بتمويه الحقّ ولا بالخيالات الفاسدة بصورة المعقولات الحقّة وليس بمجنون مخبّط كما سوّلت لكم أنفسكم ولكن (جاءَ بِالْحَقِ) يعنى كلّما يأتى به من الأقوال والأفعال والأحكام من الله كان حقّا (وَ) دليل حقّيته انّه (صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) الّذين اعتقدتموهم (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ وَما تُجْزَوْنَ) في ذلك الذّوق (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بنفسه على تجسّم الأعمال أو بجزائه (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع ان كان الخطاب خاصّا بالمشركين أو متّصل ان كان لجملة العباد (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) يعلمه الخدم لهم من الملائكة والغلمان والحور (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) بحسب الرّزق والمسكن والمقام والمعاشر (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) فيها خمر (مِنْ مَعِينٍ) من شراب معين أو نهر معين اى جار سائل ، شبّه حالهم في الجنّة بحال أهل الدّنيا وشربهم الخمر (بَيْضاءَ) بخلاف خمر الدّنيا فانّها حمراء كدرة (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مصدر أو وصف تأنيث لذّ بمعنى اللّذيذ (لا فِيها غَوْلٌ) بخلاف خمر الدّنيا فانّ فيها غول الصّداع والخمار (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) نزف كعني ذهب عقله أو سكر ، وقيل المعنى لا هم عنها يطردون (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) يقصرن اطرافهنّ على أزواجهنّ لا يتجاوزنها الى غيرهم كبعض أزواج الدّنيا (عِينٌ) جمع عيناء مؤنّث أعين ، عين كفرح عظم سواد عينه في سعة وفسّر بشدّة سواد العين في شدّة بياضها (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) عن الاغبرة (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ادّاه بالماضي اشارة الى تحقّق وقوعه أو لانّه كان واقعا بالنّسبة الى محمّد (ص) (يَتَساءَلُونَ) يتحادث كلّ لكلّ أو يسأل بعضهم ويجيب بعضهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) بدل من اقبل بعضهم أو من يتساءلون أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) اى قال القائل لجلسائه : هل أنتم مشرفون سأل اشرافهم على أهل النّار ليطّلعوا على حال قرينة أو قال الله : هل