ومواليدها باىّ تصرّف شاء وتقليب الأعيان عن وجوهها على انّه يخبره الملائكة ويعينونه فيما لم يقدروا على العلم به والتّصرّف فيه وان لم يكن رياضته بأمر آمر الهىّ أو كان لكنّه خرج عن تحت امره واستبدّ في رياضته ومشاهدته برأيه سواء كان تحت امر آمر شيطانىّ أو لم يكن ، وسواء كان رياضته بطريق الشّرائع وعلى قانون النّواميس الالهيّة أو لم تكن اتّصل لا محالة بعالم الجنّة والشّياطين ، وتشبّه بهم في الاحاطة والتّصرّف ، وقدر على ما لم يقدر غيره ، وعلم ما لم يعلمه غيره ، وعبد المتصرّف في العالم المشهود له بظنّ انّه الله أو انّه ملك عظيم من ملائكة الله وسمّى عبادته عبادة الملك ولذلك أنكر الملائكة عبادتهم لهم واثبتوا عبادتهم للجنّ ، واعلم أيضا ، انّ كلّ عابد غير الله لا يعبده الّا بإطاعة الشّيطان المعنوىّ سواء كان المعبود الّذى هو غير الله ملائكة الله أو غيرهم من الجماد والنّبات والحيوان والإنسان والجانّ والشّيطان ، فالعابد غير الله يعبد اوّلا الشّيطان وبعبادة الشّيطان يعبد غير الله فهو في عبادة غير الله عابد للشّيطان حقيقة لا لمعبوده لانّه لولا الشّيطان لم يعبده (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ) الفاء للتّرتيب في الاخبار أو جزاء شرط مقدّر يعنى إذا كان اليوم أنكر المعبودون عبادة العابدين وتحيّر كلّ في امره واضطراب غاية الاضطراب فاليوم لا يملك (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) لانّ الأمر كلّه في ذلك اليوم بيد الله بخلاف يوم الدّنيا فانّه قد يتوهّم انّ بعضا يقدر على نفع بعض أو ضرّه والخطاب للملائكة وعابديهم أو لمطلق المعبودين والعابدين ، أو لمطلق الرّؤساء والمرءوسين ، أو للجنّة وعابديهم (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) من المعبودين والمطاعين بان لم يكن معبوديّتهم ومطاعيّتهم بإذن من الله والعابدين والمطيعين بان لم يكن عبادتهم وطاعتهم واشراكهم بإذن من الله (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) عطف باعتبار المعنى ولذلك التفت من الخطاب الى الغيبة يعنى كانوا إذا قيل لهم : اتّقوا النّار الّتى يوعدكم الله قالوا : ان هذا الّا كذب ، وإذا تتلى أو صرف للخطاب عنهم الى محمّد (ص) وبيان لحال أمّته وعطف أيضا باعتبار المعنى ، والمعنى كانوا إذا تتلى عليهم آياتنا كذّبوها وإذا تتلى على قومك (آياتُنا بَيِّناتٍ) في الوعد والوعيد أو في الأحكام المعاديّة أو المعاشيّة (قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ) بهذا الّذى يظهره علينا (أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) ويجعلكم تابعين لنفسه في مبتدعاته ، نسبوا عبادتهم للمعبودين الى عبادة آبائهم استظهارا بحقّيّتها تسليما لحقّيّة فعل آبائهم (وَقالُوا ما هذا) الّذى يقول (إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) على الله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وضع الظّاهر موضع المضمر ذمّا لهم وبيانا لعلّة الحكم (لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا) الّذى يقوله فيما ابتدعه (إِلَّا سِحْرٌ) اى علوم دقيقة ، أو ان هذا الّذى يظهره علينا من المعجزات الّا سحر حاصل من تمزيج القوى الطّبيعيّة مع القوى الرّوحانيّة ، أو ان هذا الّذى يقول في حقّ ابن عمّه الّا صرف لما قاله الله تعالى عن وجهه (مُبِينٌ وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) يقرءونها حتّى ينسبوا صحّة مذهبهم وانكار مذهبك الى تلك الكتب (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) حتّى ينسبوا ذلك الى قول النّذير فلا يقولون الّا عن عصبيّة بطريقهم ، وعن تقليد آبائهم من غير تحقيق لمذهبهم ولما قالوا في مذهبك ، ومن غير تحقيق لتقليدهم (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) يعنى انّ هؤلاء كذّبوك وليس تكذيبهم امرا غريبا فانّ الّذين قبلهم كذّبوا رسلهم لكن بينهم وبين من قبلهم فرق عظيم ، فانّ من قبلهم أوتوا من الأموال والقوّة والأولاد وطول الاعمار ما به افتتنوا واغترّوا وأنكروا ، وهؤلاء ما بلغوا معشار ما آتيناهم من ذلك ، أو المعنى وما بلغ السّابقون معشار ما آتينا هؤلاء من المعجزات والدّلائل على صدق الرّسل (ع) ، أو المعنى وما بلغ الرّسل (ع) السّابقون معشار ما آتينا محمّدا (ص) وآل محمّد (ع) من الفضل ، عن هشام بن عمّار رفعه قال ، قال