بالآيات (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) هذه الآية بالنّسبة الى شخص واحد باعتبار وقتين من أوقاته ويدلّ عليه تقييد يقدر بقوله له وسابقتها بالنّسبة الى اشخاص متعدّدة فلا تكرار ، أو هذه خطاب للمؤمنين وتلك للكافرين ويدلّ عليه التّقييد بقوله : من عباده فلا تكرار أيضا ، أو هذه تكرير للأولى وتأكيد له باعتبار انّ هذا المطلب مطلب عظيم هم عنه غافلون (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) تجرئة على الإنفاق وتحذير عن التّقتير ، عن النّبىّ (ص) : من صدّق بالخلف جاد بالعطيّة ، وعن علىّ (ع) : من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته ، وقيل للصّادق (ع) : انّى أنفق ولا ارى خلفا ، قال : افترى الله عزوجل اخلف وعده؟ ـ قيل : لا ، قال : فبم ذلك؟ ـ قيل : لا أدري؟ قال (ع) : لو انّ أحدكم اكتسب المال من حلّه لم ينفق درهما الّا اخلف عليه (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ممّن تنظرون اليه من وسائط الرّزق وممّا تعدّونه وسائط الرّزق من الأسباب السّماويّة والارضيّة ومن القوى العمّالة في إيصال الرّزق الحقيقىّ الّذى هو الجوهر المتشبّه بجوهر البدن الى المرتزق الحقيقىّ الّذى هو خلل الأعضاء ، هذا في الرّزق النّباتىّ ، وهكذا الحال في الرّزق الحيوانىّ والانسانىّ ، فانّ كلّ من كان غيره من الرّازقين ليس الّا آلة إيصال الرّزق ، والرّازق حقيقة هو الله تعالى شأنه فانّه اعطى المرتزق أسباب الارتزاق وآلاتها ، واعطى الرّزق الصّورىّ صورة وكيفيّة بها يرتزق المرتزق ، وهو الّذى يعطى الرّزق بغير عوض ولا غرض ولا منّة بخلاف غيره من وسائط الرّزق كما قال المولوىّ :
لقمه بخشى آيد از هر كس بكس |
|
حلق بخشى كار يزدانست وبس |
حلق بخشد جسم را وروح را |
|
حلق بخشد بهر هر عضوى جدا |
وقال أيضا
روزى بيرنج جوى وبى حسيب |
|
كز بهشتت آورد جبريل سيب |
بلكه رزقي از خداوند بهشت |
|
بى صداع باغبان بى رنج كشت |
زانكه نفع نان در آن نان داد اوست |
|
بدهدت آن نفع بى توسيط پوست |
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) عطف على محذوف متعلّق بيخلفه أو بخير الرّازقين اى في الدّنيا ويوم نحشرهم ، أو متعلّق بمحذوف عطف على قل اى اذكر يوم نحشرهم (جَمِيعاً) الاتباع والمتبوعين في الضّلالة (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) اختار الملائكة من بين المعبودين بالذّكر لانّهم أشرف المعبودين وابصرهم بحال العابدين وأعلمهم بنيّاتهم ، وما أجابوا كان ذلك جواب السّائرين سواء كانوا شاعرين أو غير شاعرين (أَهؤُلاءِ) المدّعون لعبادتكم (إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ) عن شراكة أمثالنا (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) نزّهوا الله تعالى اوّلا عن شراكة أمثالهم وأنكروا الرّضا بعبادتهم ثانيا واضربوا عن ذلك وعن عبادتهم لهم المستفادة من تنزيه الله ومن إظهار عدم الرّضا بفعلهم واثبتوا عبادتهم للجنّ (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) لا بنا وانّما اشتبه عليهم الجنّة والملائكة ووهموا في ذلك وعبدوا الجنّة بزعم انّهم الملائكة.
بيان للاتّصال بالملكوتين العليا والسّفلى
اعلم ، انّه قد تكرّر فيما سبق انّ عالم الطّبيّعة واقع بين الملكوتين العليا والسّفلى ، وانّ عالم الجنّ مثل عالم الملائكة محيط بالدّنيا ومتصرّف فيها ، وانّه لا فرق في ذلك بين الجنّة والملائكة ، ولذلك اشتبه على الملائكة حال إبليس فظنّوا انّه منهم ، وانّ من راض نفسه بقلّة الطّعام والشّراب والنّوم والكلام والعزلة عن الخلق ، فان كان بأمر آمر الهىّ يتّصل بعالم الملائكة ويتشبّه بهم في الاحاطة والاطّلاع على ما لم يطّلع عليه البشر والتّصرّف في العناصر