بالنّسبة الى محمّد (ص) قد وقعت (فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بعلّة الحكم وإظهارا لذمّ آخر لهم (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) اى نفس ما كانوا أو جزاء ما كانوا يعملون والجملة حاليّة بتقدير القول أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لم يجعل الأغلال في أعناقهم؟ ـ فقال : ما يجزون الّا ما كانوا يعملون لكنّه ادّاه بصورة الاستفهام لتأكيد النّفى (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) اى متنعّموها (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) لانّ كلّ الفساد يفشو من المتنعّمين وامّا الاتّباع فليس لهم شأن الّا النّظر الى الرّؤساء ومن كان مثريا في الدّنيا لعدم العقل الانسانىّ وعدم استعمال العقل الجزئىّ الّذى يكون لهم (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فان كان ما تدّعونه حقّا من الرّسالة فنحن اولى بذلك لكثرة أموالنا وكثرة أولادنا فانّ تلك الكثرة تدلّ على تفضّل الله بالنّسبة إلينا وقربنا منه وتعيّننا في رياستنا (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لقربنا من الله وفضله علينا فلمّا لم يرسلنا الله علم انّه لا رسالة وانّكم كاذبون ، ولو فرض صدق ما تقولون من العذاب في الآخرة فلسنا بمعذّبين لقربنا من الله ، أو المعنى ما نحن بمعذّبين وأنتم تقولون لو عصينا عذّبنا الله فنحن بسبب عدم العذاب اولى بالرّسالة ، أو المعنى نحن أكثر أموالا وأولادا ، وهذا يدلّ على فضل الله بالنّسبة إلينا فلم نكن نحن بمعذّبين لفضل الله بالنّسبة إلينا ، فلا حاجة لنا إليكم والى رسالتكم (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) بملاحظة حال نظام الكلّ وليس لكرامة الغنىّ ولا لهوان الفقير (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك أو لا يعلمون سرّ ذلك (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) حتّى تكونوا بذلك مستحقّين للرّسالة أو غير معذّبين (إِلَّا مَنْ آمَنَ) اى الّا اموال من آمن وأولاده (وَعَمِلَ صالِحاً) بان يتحمّل المال لله وينفقه لله ويربّى الأولاد لله (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ).
اعلم ، انّ المؤمن لمّا كان متوجّها الى الله مؤتمرا بأمر الله منتهيا بنهي الله كان توجّهه الى الأموال والأولاد من حيث ايمانه تحمّلا لمشاقّها من حيث امر الله وعدم إهمالها مع الانزجار عنها من حيث نهى الله وصرف الوجه عن جهة التّوحيد بأمر الله ونهيه توجّه الى الله مع مراعاة حقوق كثرات وجوده وكثرات خارج مملكته ، والتّوجّه الى الله بتلك الكيفيّة تكميل لصفحتى النّفس المجرّدة والمتعلّقة وتتميم لجهة الوحدة والكثرة فيكون مستحقّا من الجهتين وموجبا للأجر من الحيثيّتين فيكون اجره مضاعفا بالنّسبة الى من لم يكن له ذلك بخلاف الكافر فانّ توجّهه الى الأموال والأولاد اغفال عن الفطرة وإهلاك للّطيفة الانسانيّة ولذلك كانت عذابا له في الحيوة الدّنيا وسببا لزهوق أرواحهم وهم كافرون فكانت نقمة عليه لا نعمة ، ولذلك ورد عن الصّادق (ع) انّه قال لمن ذكر الأغنياء ووقع فيهم : اسكت ، فانّ الغنىّ إذا كان وصولا برحمه وبارّا بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لانّ الله يقول : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) (فقرأ الى آخر الآية) وورد انّ أبا بصير قال : ذكرنا عند ابى جعفر (ع) من الأغنياء من الشّيعة فكأنّه كره ما سمع منّا فيهم ، فقال : يا أبا محمّد إذا كان المؤمن غنيّا رحيما وصولا له معروف الى أصحابه أعطاه أجر ما ينفق في البرّ اجره مرّتين ضعفين لانّ الله عزوجل يقول وما أموالكم (فقرأ الآية الى آخرها) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) مقابل لسابقه باعتبار المعنى كأنّه قال الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات من صاحبي الأموال والأولاد حالهم كذا ، والّذين يسعون من صاحبي الأموال والأولاد أو من النّاس على الإطلاق في آياتنا الآفاقيّة التّكوينيّة والتّدوينيّة وآياتنا الانفسيّة خصوصا الآيات العظمى من الأنبياء (ع) وخلفائهم (ع) (مُعاجِزِينَ) الله أو معاجزين الأنبياء والأولياء (ع) أو معاجزين المؤمنين المقرّين