هؤلاء مؤمنين بآياتنا انّما يؤمن بآياتنا (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً).
سجدة واجبة
اعلم ، انّ المذعن بالآيات من حيث انّها آيات عظمة الله وقدرته وسعته إذا ذكّر بها لم ينظر منها الى حدودها وتعيّناتها بل ينظر إليها من حيث انّها آيات عظمة الله فيتذكّر بها عظمة الله فلا يتمالك من تذكّر عظمة الله ووجدانها فيخرّ ساجدا لعظمة الله ، كما عن مولانا جعفر الصّادق (ع) انّه صاح في الصّلوة وخرّ مغشيّا عليه فسئل عن ذلك فقال : كرّرت الآية حتّى سمعتها من قائلها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته (وَسَبَّحُوا) اى نزّهوا لطيفتهم الانسانيّة الّتى هي وجه الرّبّ واسمه ومظهره ونفسه بوجه (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) اى بسبب حمد ربّهم يعنى بسبب سعة وجوده بحيث لا يشذّ عنه وجود وتعيّن وجود فانّ التّسبيح ليس الّا تنزيه الرّبّ من النّقائص والحدود ، وتنزيهه من النّقائص والحدود ليس الّا بسعة وجوده بحيث لا يخرج منه وجود وليس ذلك الّا حمده وسعة كمالاته (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن الله أو عن تسبيحه ، أو عن الخرور والسّجود ، أو عن الايمان والطّاعة ، أو لا يستكبرون في أنفسهم (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) من جفا السّرج عن فرسه رفعه (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قد مضى صدر الآية في سورة الأعراف وذيلها في اوّل البقرة ، عن الباقر (ع) في هذه الآية انّه قال : لعلّك ترى انّ القوم لم يكونوا ينامون ، لا بدّ لهذا البدن ان تريحه حتّى يخرج نفسه فاذا خرج النّفس استراح البدن ورجع للرّوح قوّة على العمل ، قال نزلت في أمير المؤمنين (ع) واتباعه من شيعتنا ينامون في اوّل اللّيل فاذا ذهب ثلثا اللّيل أو ما شاء الله فزعوا الى ربّهم راغبين مرهبين طامعين فيما عنده فذكر الله في كتابه فأخبركم بما أعطاهم انّه أسكنهم في جواره وأدخلهم جنّته وآمنهم خوفهم واذهب رعبهم ، وفي خبر عن الصّادق (ع) في هذه الآية انّه قال : لا ينامون حتّى يصلّوا العتمة (١) (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقد ذكر في اخبار كثيرة بيان ما أخفى لهم من قرّة أعين من أراد فليرجع الى المفصّلات (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل على سبيل التّعجّب : الهم ذلك؟ ـ فقال : ليس لهم ذلك فمن كان مؤمنا (كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بيان لعدم استوائهم (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً) اى معدّة أو منزلا (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) عدل عن قوله لهم الجحيم نزلا اشعارا بانّ الفاسق لا اعتناء به حتّى يكون العذاب نزلا له بل العذاب من تبعة اعماله الّتى تلحقه (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) اعلم ، انّ أهل الجحيم مثل أهل الدّنيا يريدون الخروج من الجحيم من غمّ يستولي عليهم لكن لمّا كان ارادة خروجهم من الغمّ ولم يكن لهم قائد شوق للخروج لا يخرجون بل يعادون فيها ولو كان ارادة خروجهم من الشّوق لخرجوا في أسرع زمان (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) قيل : انّ جهنّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فاذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنّم فاذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) الأدنى من الدّنىّ بمعنى السّاقط الضّعيف أو من الدّنوّ بمعنى القرب وعلى اىّ تقدير فالمراد بالعذاب الأدنى عذاب الدّنيا ، أو عذاب القبر ، أو عذاب البرزخ لكن اداة الترجّى بعده يناسب عذاب الدّنيا (دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) عذاب الاحتضار أو عذاب القبر أو عذاب البرزخ أو عذاب القيامة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن غيّهم أو يرجعون في الرّجعة للعذاب الأكبر ، وفسّر العذاب الأدنى بالعذاب حين خروج الدّابّة والدّجّال ، وقد كثر الاخبار في انّ الآيات نزلت في علىّ (ع) والوليد بن عقبة فانّ الفاسق الوليد بن عقبة قال لعلىّ (ع) :
__________________
(١) العتمة بفتحين صلوة العشاء أو وقت صلوة العشاء.