أحسن أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر على قراءة فتح اللّام ، وقيل : المعنى أحسن معرفة كلّ شيء مثل قوله : قيمة المرء ما يحسنه اى يحسن معرفته (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) اى آدم أو مطلق الإنسان (مِنْ طِينٍ) لانّ الماء والتّراب أظهر أجزاء عنصره وأغلبها (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) النّسل الخلق والولد (مِنْ سُلالَةٍ) السّلالة ما انسلّ من الشّيء والمراد ما انسلّ من الغذاء في الهضم الرّابع (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) من بيانيّة (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أضاف الرّوح الى نفسه تشريفا والمراد بالرّوح هو ربّ النّوع لكنّه لمّا كان اثر ظهور هذا الرّوح هو الرّوح الحيوانىّ والنّفسانىّ وهما شبيهان بالرّيح ومتحرّكان كالرّيح استعمل النّفخ فيه وقد مضى في سورة بنى إسرائيل بيان للرّوح (وَ) بعد نفخ الرّوح في الشّهر الرّابع فيكم (جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) لصيرورة الإنسان بعد الاتّصاف بالسّمع والبصر والفؤاد قابلا للتّخاطب التفت من الغيبة الى الخطاب (وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا) لتبعيد القائلين هذا القول عن ساحة الحضور التفت من الخطاب الى الغيبة (فِي الْأَرْضِ) بتفتّت اجزائنا واعضائنا واختلاطها بتراب الأرض (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) لتأكيد التّعجّب والتّعجيب والإنكار كرّر الاستفهام (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) لمّا كان قوله تعالى قالوا ائذا ضللنا في مقام ذمّهم وانّ هذا القول منهم ليس عن علم بل محض تخمين وخيال كان في معنى ان ليس قولهم عن علم وتحقيق بل هم بلقاء ربّهم اى حسابه في الآخرة كما ورد في الخبر أو لقاء ربّهم المضاف اللّقاء الفطرىّ الّذى كان ربّهم في الولاية ملاقيا به فطرة لهم كافرون ولذلك تمسّكوا بالخيال واهويتهم واعرضوا عن العلم وآثاره (قُلْ) لهم جوابا لتعجّبهم من بعثهم بعد الضّلال في الأرض لا تصيرون ضالّين في الأرض بل (يَتَوَفَّاكُمْ) يعنى يأخذ جميعكم وجميع أجزاء وجودكم بحيث لا يبقى منكم أحد ولا جزء في الأرض ولا يضلّ منكم شيء في الأرض حتّى تقولوا كيف نبعث بعد الضّلال وانّما الضّالّ في الأرض هو مادّتكم الّتى ليست منكم (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) اى بقبض أرواحكم وجميع اجزائكم وإحصاء أمدكم وآجالكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) يعنى بعد قبض ملك الموت جميع اجزائكم ترجعون الى ربّكم المضاف الّذى هو ربّكم في الولاية (وَلَوْ تَرى) لو للتّمنّى أو للشّرط ، وإذا كانت للشّرط كان الجزاء محذوفا اى لرأيت امرا عجيبا والجملة حاليّة بتقدير القول على الاوّل والخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) (إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) المضاف يقولون (رَبَّنا أَبْصَرْنا) بعد رجوعنا إليك أو في الدّنيا لكن لم نعمل قالوا ذلك اعترافا بتقصيرهم (وَسَمِعْنا) منك وقبلنا أو سمعنا في الدّنيا من أنبيائك (ع) لكن لم نعمل (فَارْجِعْنا) الى الدّنيا (نَعْمَلْ صالِحاً) بعد ما رأينا عظمتك وشاهدنا عقوبتك (إِنَّا مُوقِنُونَ) من غير شكّ وريب (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) اهتدائها ورشدها أو أسباب هديها من غير ملاحظة استعداد واستحقاق لكن لم نشأ لئلّا يكون مشيّتنا جزافا غير مسبوقة بملاحظة استعداد (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لئلّا يقع إرادتي جزافا ويكون عذاب المعذّبين وثواب المطيعين من جهة استعدادهم (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ) اى تركناكم (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا) مستأنف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قال : أليس هؤلاء مؤمنين بالآيات مع وضوحها وظهورها حتّى يكونوا منسيّين؟ ـ فقال : ليس