ويعذّبنى عليه ، وان كنتم أنتم كاذبين يعلمه ويعذّبكم عليه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فاحذروا من العناد معه ومع رسوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) جملة حاليّة أو معطوفة وبمنزلة النّتيجة (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) بمثل ما قالوا عند توعيدك بالعذاب فائتنا بما تعدنا أو بقولهم ان كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) يعنى عدم إتيان العذاب ليس لما قالوا من انّه ليس ما قلت حقّا ولا لكرامتهم علينا بل لانّ لكلّ امر وقتا لا يتجاوزه (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) في الدّنيا وفي حال بقائهم مثل إتيان العذاب ببدر وغيرها ومثل البلايا في الأموال والأنفس أو في حال احتضارهم على أيدي الملائكة أو في الآخرة في البرازخ أو في القيامة (بَغْتَةً) من غير تقدّم امارة له أو من غير استشعار منهم باماراته لانهماكهم في الملاهي (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمجيئه حين إتيانه ، أو لا يشعرون في الحال بانّه يأتيهم بعد والّا لما سألوه (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) كرّر هذا القول للاشعار بانّ الاوّل كان بحسب عذاب الدّنيا والثّانى بحسب عذاب الآخرة ، أو لانّ الاوّل كان مقدّمة للتّهديد بإتيان العذاب والثّانى للتّهديد بإحاطته بهم في الحال ولكنّهم لا يشعرون به ، أو المنظور من التّكرير المبالغة في تسفيههم بالتّجرّى على ما ينبغي التّحرّز عنه ولو كان محتملا غير متيقّن (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) وضع المظهر موضع المضمر اشعارا بعلّة الحكم وإظهارا لكفرهم بنفاقهم يعنى انّهم كافرون وكلّ كافر واقع في وسط جهنّم ومعذّب بأنواع عذابها وان كان لا يشعر به فهم في استعجالهم في العذاب واقعون في العذاب.
اعلم ، انّ النّفس الانسانيّة بمقتضياتها الحيوانيّة أنموذج الجحيم ولهباتها وأنواع عذابها فان كان الإنسان الواقع في مقام النّفس وهو الّذى يكون في الغيب من الله ومن الآخرة منقطعا عن الولاية ومستورا منه الوجهة الولويّة كان واقعا في جهنّم وواقفا عليها ومحاطا بها ، وان لم يكن منقطعا عن الولاية بان كان مؤمنا بها كانت عليه بردا وسلاما ولم يحسّ بها أو احسّ بها وبآلامها لكن تكون تطهيرا له عن شوائبه الغريبة ، وكون النّفس الانسانيّة أنموذج الجحيم ووجوب عبور الإنسان عليها وعنها أحد وجوه قوله تعالى : (إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) وهي الجسر الممدود على متن جهنّم وقد مضى في سورة التّوبة بيان اجمالىّ في نظير هذه الآية لاحاطة جهنّم بالكافرين (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) مفعول للكافرين أو ظرف لمحيطة أو ظرف لفعل محذوف وهو اذكر أو ذكّرهم (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ) قرئ بالغيبة وبالتّكلّم (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة على يد محمّد (ص) البيعة العامّة أو على يد علىّ (ع) البيعة الخاصّة (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) فاذا لم يتيسّر لكم عبادتي في ارض فاخرجوا منها الى ارض يمكن لكم توحيد عبادتي (فَإِيَّايَ) دون غيري (فَاعْبُدُونِ) عن الصّادق (ع) : إذا عصى الله في ارض أنت بها فاخرج منها الى غيرها (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) في مقام التّعليل (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) قد مضى بيان الصّبر والتّوكّل مشروحا وكذلك بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) لا تحصى نوعا وفردا (لا تَحْمِلُ) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) أو بمن يزعم ان لا مدخليّة في الأمور لشيء سوى الأسباب الطّبيعيّة كالطّبيعيّة اعتقادا أو حالا كأكثر النّاس (رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) فانّ الإنسان في بادي النّظر يظنّ انّ الرّزق منوط بالأسباب الطّبيعيّة لكن دقيق النّظر يحكم