(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) اى من قبل قبول رسالة محمّد (ص) أو من قبل القرآن ونزوله أو من قبل المتلوّ وتلاوته (مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) الصّبر حبس النّفس على ما لم تصبر عليه من البلاء والمعصية والطّاعة والمؤمن إذا آمن كان له أجر وإذا حبس نفسه على كتمه وعدم إذاعته في وقت يكون الاذاعة شينا عليه أو على صاحبه أو على اخوته ، أو يكون الاذاعة سببا للصّيت والمراياة كان له أجر أخر (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يعنى بحسنات أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وعقائدهم سيّئاتها أو بالحسنة بالنّسبة الى المسيء سيّئة المسيء أو بالتّقيّة سيّئة الكفّار بالنّسبة إليهم أو الى صاحبهم أو إخوانهم أو بالتّقيّة الاذاعة وبالمداراة التّبرّز بالمعارضة مع الخلق ، أو بالحلم جهل الجاهل أو بالحسنة من أفعالهم البلايا الّتى قدّر عليهم أو على غيرهم فانّهم في الخلق أمان لهم من البلايا ، وفي الاخبار اشارة الى كلّ ذلك (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قد مرّ في اوّل البقرة تفصيل تامّ لهذه الكلمة (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) اللّغو كلّما لم يكن له غاية عقلانيّة دنيويّة أو اخرويّة والعاقل لا يركن الى ما لا غاية له عقلانيّة (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) يعنى لا يتعرّضون لهم بالرّدّ والإنكار (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) سلام مودّع متتارك (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) وصحبتهم لانّهم كانوا اضدادا للجاهلين فهم بحالهم وقالهم يقولون : لا نبتغي مجالسة الجاهلين (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) هدايته أو من كان محبوبا لك فكيف بغيره والجملة جواب سؤال ناش من سابقة كأنّه (ص) قال : هل يكون هداية هؤلاء بسعيى وانا اهديهم؟ ـ أو قال (ص) : هل أبالغ في هداية أرحامي وأحبابي؟ ـ أو جواب لسؤاله (ص) وجهده في هداية أرحامه خصوصا على ما نقل من العامّة انّه نزل في ابى طالب (ع) ومبالغة محمّد (ص) في ايمانه وعدم قبوله (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته أو من كان محبوبا له (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) اى المستحقّين للهداية وأنت لا تعلمهم ، أو لست اعلم منه بهم أو هو اعلم بمن اتّصف بالهدى حقيقة وبمن قبل رسالتك عارية.
في إسلام ابى طالب (ع)
اعلم ، انّه نقل بطريق العامّة انّ الآية نزلت في ابى طالب (ع) وذكروا اخبارا عديدة في حقّه مشعرة بذمّه وعدم إسلامه وذكر بعض الخاصّة أيضا بعضا من أخبارهم الّتى لا يليق بشأنه فانّ جلالة شأنه (ع) اجلّ وامنع من ان يبلغها عقول الرّجال فكيف بأصحاب البحث والجدال وأرباب الظّن والخيال لانّه كما استفيد من الاخبار أنور نورا وافخم قدرا بعد الأنوار الاربعة عشر من جميع الأنبياء والأولياء (ع) وانّه كان مستودعا لودائع الوصاية من جميع الأنبياء والأولياء (ع) الّتى ينبغي ان تسلّم الى محمّد (ص) الّذى كان خاتم كلّ الأنبياء (ع) وحامل ودائعه ينبغي ان يكون سنخا له ، وفي مرتبة الشّرافة مناسبا له ، وانّه كان مربّيا لمحمّد (ص) من اوّل صباه بل كان مرضعا له من ثدي نفسه مدّة وانّه أخبر كثيرا قبل ولادته وبعدها بولادته ونبوّته وشرافته وانّه كان من أوصياء عيسى (ع) وانّ كلّ الأوصياء ينبغي ان يكونوا راجعين اليه وآخذين منه. روى في الكتب المعتبرة عن الكاظم (ع) انّه سئل : أكان رسول الله (ص) محجوجا بابى طالب (ع)؟ ـ فقال : لا ، ولكنّه كان مستودعا للوصايا فدفعها اليه ، قيل : فدفع اليه الوصايا على انّه محجوج به؟ ـ فقال : لو كان محجوجا به ما دفع اليه الوصيّة ، قيل : فما كان حال ابى طالب (ع)؟ ـ قال : اقرّ بالنّبىّ (ص) وبما جاء به ودفع اليه الوصايا ومات من يومه ، ولو لم يكن في حقّه (ع) سوى هذا الخبر لكفى في الدّلالة على جلالة شأنه وفخامة قدره لدلالته على انّه كان مستودعا للوصايا الّتى ينبغي ان تدفع الى محمّد (ص) ، وانّه كان ادّاها اليه ومات من يومه ، وروى انّ أمير المؤمنين (ع) كان ذات يوم جالسا بالرّحبة والنّاس مجتمعون اليه فقام اليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين (ع) انّك بالمكان الّذى أنزلك الله به وأبوك يعذّب بالنّار ..! فقال له : مه ، فضّ الله فاك والّذى بعث محمّدا (ص) بالحقّ نبيّا لو شفع ابى في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله تعالى فيهم ، لأبي يعذّب بالنّار وابنه