العذاب تحزن عليهم ولا ينبغي ان تحزن عليهم لانّ عدم ايمانهم وطاعتهم مسبوق بمشيّتنا (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) فانّ الله ناظر إليك وإليهم والى مكرهم ولا ينفذ مكرهم الّا بمشيّتنا وإذا شئنا نفاذه كان لحكم ومصالح راجعة إليك (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) وعد العذاب أو وعد القيامة أو الرّجعة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) استبطؤا العذاب أو السّاعة استهزاء بقرينة ردف لكم بعض الّذى تستعجلون أو سألوا عن وقتها استهزاء (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) قرب منكم أو تبعكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) من العذاب ، قيل : هذا البعض عبارة عن القتل والأسر يوم بدر أو العذاب عند الموت أو الّذى في البرازخ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فلذلك يمهلهم لعلّهم يتوبون وينعم عليهم بأنواع النّعم الظّاهرة والباطنة لعلّهم يشكرون (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) لا يشعرون بالنّعم لأنّهم كالأنعام ف (لا يَشْكُرُونَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) ممّا يخفونه من غيرهم من النّيّات والعزمات والإرادات والأخلاق والأحوال والخيالات والخطرات ، أو يعلم ما تكنّ صدورهم من أنفسهم من المكمونات الّتى لا شعور لهم بها (وَما يُعْلِنُونَ) من الأقوال والأفعال أو ما يعلنون على غيرهم وعلى أنفسهم حتّى يكون الخيالات والخطرات فيما يعلنون (وَما مِنْ غائِبَةٍ) مصدر أو اسم مصدر بمعنى ما غاب أو اسم خالص بمعناه أو وصف بمعنى خصلة أو ذرّة غائبة (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ظاهر بنفسه أو ظاهر ما فيه أو مظهر ما فيه ، وهذا من قبيل التّعميم يعنى يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون بل جميع الذّرّات الغائبة عن جميع الخلق في السّماوات والأرض (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام منقطع عن سابقه لفظا ومعنى أو جواب لسؤال مقدّر عن علّة الحكم ولذلك لم يأت بأداة الوصل (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من الجنّة وأوصافها ، والجحيم وآلامها ، والخلود وعدمه ، والتّشبيه والتّنزيه ، وسائر الأوصاف الرّبوبيّة والنّبىّ الموعود الّذى بشرّ به موسى (ع) وسائر الأنبياء (ع) واحكام التّوراة الّتى يخفون أكثرها واختلفوا فيها (وَإِنَّهُ لَهُدىً) ذو هدى أو هاد أو سبب هداية ، أو حمله على القرآن للمبالغة (وَرَحْمَةٌ) سبب رحمة (لِلْمُؤْمِنِينَ) فانّ غيرهم لا ينتفعون به أو يكون ضلالة ونقمة عليهم (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : ما يفعل الله بهم في اختلافهم؟ ـ فقال : يقضى (بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) الّذى يكون لائقا بهم لا بحكمهم الّذى اخترعوه من عند أنفسهم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الّذى لا يمنع من نفاذ حكمه (الْعَلِيمُ) الّذى يعلم دقائق استحقاقهم (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يعنى فانظر الى قضائه النّافذ فيهم وتصريفه التّامّ لهم على ما يشاء واسترح من تعب النّظر الى أفعالهم وتوكّل على الله في أمورك وجملة أفعالهم وأقوالهم (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) فلا تشكّ فيما أنت فيه فيزول توكّلك ، وهذا تسلية له (ص) ولامّته ومنع لهم عن الارتياب (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) جواب سؤال مقدّر كأنّه قال : أفلا أقول شيئا؟ ـ فقال : لا تقل لهم شيئا لانّهم موتى و (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) يعنى أنت لا تقدر على أسماعهم لانّهم موتى عن الانسانيّة وهم لا يقدرون على سماع نداء الإنسان لانّهم صمّ عن نداء الإنسان ، وقرئ لا تسمع بالخطاب والصّمّ بالنّصب (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فلا يفهمون الاشارة أيضا ومدبرين حال تأكيدىّ أو غير تأكيدىّ (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) لعجزهم عن رؤية الطّريق كلّما أريتهم الطّريق (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) اى من يشرف على الايمان أو من يصدّق ويذعن بآياتنا