على سماع كلام النّمل وفهم مقصده ، أو من فطانة النّمل وتميزه بين الحاطم وغيره ومعرفته لسليمان وجنوده ، وهذا يدلّ على انّه وجنوده كانوا يمشون مشاة وراكبين لا انّهم يسيرون في الهواء بمركب الرّيح (وَقالَ) تبجّحا بنعم الله وإظهارا لشكرها (رَبِّ أَوْزِعْنِي) الهمنى أو أولعني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) اشارة الى هذه النّعمة اى نعمة إفهام نطق الحيوان أو جنس النّعمة الّتى أنعمها عليه (وَعَلى والِدَيَ) بإعطائهما ولدا مثلي أو لسائر نعمهم (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) ليكون عملي شكرا فعليّا لأنعمك (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) في الدّنيا أو في الآخرة أو فيهما (وَتَفَقَّدَ) تجسّس (الطَّيْرَ) طلبا لفقدانها فلم ير منها الهدهد (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أصله ماله لا أراه لكنّه قلّب واستعمل في هذا المعنى في العرب والعجم ، أو هو على الأصل (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) بنتف ريشه والقائه في الشّمس ، أو بجعله مع غير جنسه كما قيل (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ) حجّة (مُبِينٍ) واضح في عذره أو موضح عذره في غيبته وتفقّده للطّيور وعتابه للهدهد على غيبته لجريه على طريقة الملوك وأمراء الجند فانّ أمير العسكر إذا فقد واحدا من أجزاء العسكر عاتبه واخذه بجرمه لانّ كلّا من أجزاء العسكر له شغل وعمل إذا فقد بدون الاذن والبدل اختلّ امر العسكر ، ولعلّ فقدان واحد منها يصير سببا لهلاك الكلّ وكان الهدهد كما في الخبر يدلّه على الماء لانّه كان يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحد الدّهن في القارورة ، أو كان الطّير تظلّ كرسيّه من الشّمس فبان الشّمس على حجره (فَمَكَثَ) سليمان أو الهدهد في غيبته زمانا (غَيْرَ بَعِيدٍ) أو مكانا غير بعيد ثمّ رجع الى سليمان (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) يعنى علمت بما لم تعلم به واطّلعت على ما لم تطّلع عليه (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) مدينة بأرض اليمن ، قيل : بعث الله الى سبأ اثنى عشر نبيّا ونقل عن النّبىّ (ص) انّه سئل عن سبإ فقال : هو رجل ولد له عشرة من العرب تيامن منهم ستّة وتشاءم اربعة ، وعلى هذا كانت المدينة سمّى باسم هذا الرّجل (بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لسعة مملكتها ووجدان كلّ ما يحتاج الإنسان اليه فيها والمرأة كانت بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريّان كما قيل ، وقيل : كان أبوها شرجيل وكان آباؤها الى أربعين أبا ملكا (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) عظمه بالنّسبة إليها أو بالنّسبة الى سائر العروش والّا كان ثلاثين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا في ارتفاع ثلاثين ، وقيل : كان ثمانين في ثمانين ، وقيل : كان ثمانين في ثمانين ، وقيل : كان مقدّمه من ذهب مرصّع بالياقوت الأحمر والزّمرّد الأخضر ، ومؤخّره من فضة مكلّلة بألوان الجواهر وعليه سبعة أبيات على كلّ بيت باب مغلق (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) الّتى يعملونها من عبادتهم للشّمس وسائر ما يعملونها لدنياهم وآخرتهم حتّى يرتضون أعمالهم ، وهذا هو المانع من طلب الحقّ واتّباع اهله (فَصَدَّهُمْ) بهذا التّزيين والارتضاء (عَنِ السَّبِيلِ) اى سبيل الحقّ (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) اليه ، قيل : لم يكن الهدهد عارفا بذلك وانّما أخبر بذلك كما يخبر مراهقوا صبياننا لانّه لا تكليف الّا على الملائكة والانس والجنّ ، وهذا من غفلته من ادراك الموجودات بل نقول : كلّ الموجودات شاعرون عالمون ولكن لا شعور لهم بشعورهم : ان من شيء الّا يسبّح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم لعدم شعورهم بشعورهم فكان جملة الموجودات ينادون جهارا بهذا القول :
ما سميعيم وبصيريم وخوشيم |
|
با شما نامحرمان ما خامشيم |
چون شما سوى جمادى مى رويد |
|
محرم جان جمادان كى شويد |
از جمادى در جهان جان رويد |
|
غلغل اجزاى عالم بشنويد |