دلالة على فضل العلم بالنّسبة الى سائر النّعم حيث ذكر تعالى شكرهما عقيب إيتاء العلم معلّقا على التّفضيل على العباد بسبب العلم مع انّهما أوتيا ملكا عظيما وسلطنة وسيعة (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ما ينبغي ان يرثه منه من الرّسالة والعلم والملك والسّلطنة ، ولذلك حذف المفعول الثّانى ، قيل للجواد (ع) : انّهم يقولون في حداثة سنّك فقال : انّ الله اوحى الى داود (ع) ان يستخلف سليمان وهو صبىّ يرعى الغنم فأنكر ذلك عبّاد بنى إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الى داود (ع) ان خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان (ع) واجعلهما في بيت واختم عليهما بخواتيم القوم فاذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة فأخبرهم داود (ع) فقالوا : قد رضينا وسلّمنا (وَقالَ) إظهارا لنعم الله شكرا لها (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا) أتى بعلّم مبنيّا للمفعول للتّبرّى من الانانيّة وانّ العلم الّذى أعطاه الله تعالى كان من محض فضل الله لا من نفسه (مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا) أتى هاهنا باوتينا لما ذكر (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) انّما قال من كلّ شيء لانّه لا يمكن للممكن ولو بلغ ما بلغ ان يؤتى كلّ شيء الّا ان يخصّص الشّيء بالممكنات وحينئذ لا يكون لغير الخاتم ان يقول وأوتينا كلّ شيء ، وفي خبر : ليس فيه من وانّما هي وأوتينا كلّ شيء ، وبعد ما ذكر انّه ليس من نفسه فخّمه وعظّمه تعظيما لانعام الله ونعمه فقال (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) عن الصّادق (ع) اعطى سليمان بن داود (ع) مع علمه معرفة المنطق بكلّ لسان ومعرفة اللّغات ومنطق الطّير والبهائم والسّباع وكان إذا شاهد الحروب تكلّم بالفارسيّة ، وإذا قعد لعمّاله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالرّوميّة ، وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسّريانيّة والنّبطيّة ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربّه تكلّم بالعربيّة ، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلّم بالعبرانيّة ، وعنه عن أبيه (ع) : اعطى سليمان بن داود (ع) ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سبعمائة سنة وستّة أشهر ملك أهل الدّنيا كلّهم من الجنّ والانس والشّياطين والدّوابّ والطّير والسّباع واعطى علم كلّ شيء ومنطق كلّ شيء وفي زمانه صنعت الصّنائع العجيبة الّتى سمع بها النّاس وذلك قوله علّمنا (الآية) وقد كثر في أخبارنا انّ الائمّة (ع) أعطوا جميع ما اعطى سليمان (ع) ولهم الفضل عليه (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِ) قدّم الجنّ لانّ معظم الأمور الّتى تتمشّى من الجنود مثل سرعة السّير والاخبار بالوقائع الواقعة في النّواحى وصنع الصّنائع العجيبة الّتى يحتاج إليها السّلاطين كان منهم (وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) خصّها من بين سائر الحيوان للاحتياج إليها في التّظليل (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبسون حتّى يلتحق اوّلهم بآخرهم إذا كان من وزع كوضع بمعنى كفّ ، أو يعزون إذا كان من أوزعه بمعنى اغراه ، أو يدبّر أمورهم ويعلمون من وزع إذا دبّر أمور الجيش ، أو يجعلون جماعات من الأوزاع بمعنى الجماعات ، أو يقسّمون من الإيزاع كالتّوزيع بمعنى التّقسيم (حَتَّى إِذا أَتَوْا) اى فساروا حتّى إذا أتوا (عَلى وادِ النَّمْلِ) قيل هو واد بالطّائف كثير النّمل ، وقيل : هو واد بالشّام كثير النّمل ، وفي تفسير القمىّ قعد على كرسيّه وحملته الرّيح فمرّت به على واد النّمل وهو واد ينبت فيه الذّهب والفضّة وقد وكّل به النّمل وهو قول الصّادق (ع) انّ لله واديا ينبت الذّهب والفضّة وقد حماه الله بأضعف خلقه وهو النّمل لو رامته البخاتي ما قدرت عليه ، ونسب الى الرّواية انّ نمل سليمان كانت كأمثال الذّئاب والكلاب (قالَتْ نَمْلَةٌ) هي رئيسها وأميرها كما قيل (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) بدل من ادخلوا بدل الاشتمال أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر وهو نهى وليس بنفي مجزوم في جواب الأمر كما قيل لانّ نون التّأكيد لا يدخل في النّفى والفعل الموجب في غير الضّرورة (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) هذا تبرئة من النّملة للنّبىّ (ع) من الظّلم (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) لتعجّبه من قدرة الله وإسماعه قول النّمل خصوصا من المسافة البعيدة ، أو من نعمة الله عليه بان أقدره