الّتى امرناهم بها
وكانت لائقة بانسانيّتهم لعلّهم ينتهون عن غيّهم ويرغبون في اعمال الخير واعتقاد
المبدء واليوم الآخر (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) اى يتردّدون ولا يطمئنّون على أعمالهم النّفسانيّة ولا
ينسلخون عنها بالكلّيّة (أُوْلئِكَ الَّذِينَ
لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) في الدّنيا فانّ التّحيّر والتّردّد في الأمر عذاب عاجل
على انّهم يحسبون كلّ صيحة عليهم ولا يطمئنّون على امر (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ) لانّهم بعدم اعتقادهم لليوم الآخر لا يعملون له ويعملون
لمشتهياتهم الفانية فيفنون بضاعتهم الّتى جعلها الله لهم بضاعة للآخرة ويأخذون
عوضها عذابا في الآخرة (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى
الْقُرْآنَ) عطف على انّ الّذين لا يؤمنون والجامع اشتراكهما في كونهما
جوابا للسّؤال المقدّر كأنّه قال : ما حال غير المؤمنين؟ وما حالي في شهودي للآخرة
الّذى هو فوق الايمان بها بالغيب؟ ـ فقال : حال غير المؤمنين كذا وحالك انّك تلقّى
القرآن اى المقام الجامع بين الوحدة والكثرة (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) في عمله أو في عمله وعلمه ويكون قوله (عَلِيمٍ) تأكيدا وقد مضى مكرّرا انّ الحكمة عبارة عن اللّطف في
العمل وإتقانه بحيث يكون ذا غايات عديدة مترتّبة متقنة ، واللّطف في العلم بحيث
يكون ادراك الشّيء مستلزما لادراك مباديه وغاياته الجليّة والدّقيقة الخفيّة ، وقد
تستعمل الحكمة في كلّ منفردا عن الآخر (إِذْ قالَ مُوسى) ظرف لعليم أو حكيم ، ويكون تقييد علمه تعالى أو حكمته مع
إطلاقهما في حقّه تعالى للاشعار بانّ ما وقع لموسى (ع) وما وقع منه لم يكن الّا
بعلمه وحكمته وكان مشتملا على دقائق الغايات ودقائق الاعتبارات فيكون في الحقيقة
تقييدا لما وقع له ومنه (ع) وبعلمه تعالى وحكمته ، أو متعلّق بقوله لتلقّى القرآن
والمعنى حالك انّك تمكّنت في الحضور عند ربّك وترفّعت عن جميع المقامات والشّهودات
إذ كان موسى (ع) مشاهدا لبعض آياته ومضطربا في مشاهداته نظير : كنت نبيّا وآدم بين
الماء والطّين (لِأَهْلِهِ إِنِّي
آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) قرئ بشهاب قبس بطرين التّوصيف وبطريق الاضافة والشّهاب
الشّعلة من النّار واختلاف الكلمات في الحكايات المكرّرة امّا للاشارة الى انّها
منقولة بحسب المعنى والمنقول بحسب المعنى يؤدّى بألفاظ مختلفة مترادفة أو متوافقة
في أداء المقصود ، أو للاشارة الى انّ السّؤالات وأجوبتها كانت كثيرة وكلّما ذكر
حكاية منها يذكر بعضها (لَعَلَّكُمْ
تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ
حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) لمّا قال من في النّار ومن حول النّار وتوهّم منه انّه
محاط قال تعالى : سبحان الله من ان يكون محاطا لانّه ربّ العالمين وربّ العالمين
لا يكون محاطا لشيء من مربوباته (يا مُوسى إِنَّهُ
أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يعنى انّ المتكلّم معك هو الله فتنبّه واستعدّ لما يلقى
إليك فالهاء ضمير المتكلّم وانا خبره والله بدله ، ويجوز ان يكون الهاء ضمير
الشّأن وانا الله جملة مفسّرة له ، نقل انّه بعد ما سمع هذه الكلمة سأل البرهان
عليها فقال تعالى (وَأَلْقِ) معطوف على محذوف
جواب للسّؤال المقدّر أو المذكور والتّقدير أيقن ذلك وألق (عَصاكَ) ويجوز ان يكون عطفا على بورك حتّى يكون مثل بورك تفسيرا
لنودى ، وان يكون عطفا على انّه انا الله فانّه في معنى قال يا موسى انّه انا الله
وألق عصاك فألقاها فصارت حيّة حيّة متحرّكة فنظر فرآها حيّة متحرّكة (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرّك (كَأَنَّها جَانٌ) حيّة غير عظيمة فانّ الجانّ حيّة غير عظيمة غير موذية
كحلاء العينين ، قيل : انّها في ذلك المقام صارت حيّة غير عظيمة غير موذية لانّها
كانت اوّل ما رآها فلم يجعلها الله حيّة عظيمة مثل ما صارت عند ملاقاة فرعون لئلّا
يستوحش كثيرا ومع ذلك خاف منها و (وَلَّى مُدْبِراً) حال مؤكّدة (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع على عقبه أو لم ينظر الى عقبه (يا مُوسى) جواب سؤال مقدّر بتقدير القول اى قلنا يا موسى