العامّة وقضاتهم فانّهم أيضا يقولون ولا يفعلون ما يقولون ، وعن الصّادق (ع) هم القصّاص ، وعنه (ع) : هم قوم تعلّموا وتفقّهوا بغير علم فضلّوا واضلّوا ، وعنه (ع) نزلت في الّذين غيّروا دين الله وخالفوا امر الله ، هل رأيت شاعرا قطّ يتّبعه أحد؟! انّما عنى بذلك الّذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم على ذلك النّاس ، وعن الباقر (ع) : هل رأيت شاعرا يتّبعه أحد؟! انّما هم قوم تفقّهوا لغير الله فضلّوا واضلّوا (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ) اى الشّعراء (فِي كُلِّ وادٍ) من اودية النّفس والخيال (يَهِيمُونَ) يتحيّرون ، شبّه تخيّلاتهم الّتى لاثبات لهم عليها ولا يرون حقّا منها ولا يعتقدون صدقها بالاودية الّتى هي المفارج بين الجبال أو التّلال الّتى لا يرى ما حولها الارتفاع الجبال والتّلال المحيطة بها ولم يكن فيها طريق ولا يدرى السّالك فيها اين مخلصها سواء كان المراد بالشّعراء القائلين للشّعر أو القصّاص والوعّاظ أو الفقهاء والقضاة (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) فانّ الكلّ حالهم ذلك فانّ الشّعراء يغرقون في جميع ما يقولون كما قيل : «كاز أكذب اوست أحسن أو» والقصّاص والوعّاظ شأنهم وشغلهم تزيين الكلام وتجديد النّشاط للاستماع بحكايات جديدة واسمار غير مسموعة كذبا كان أو غير كذب عاملين كانوا أو غير عاملين ، وفقهاء العامّة شغلهم الإفتاء من غير عمل (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة أو الخاصّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) على الشّروط والكيفيّة المأخوذة فانّ الشّاعر منهم لا يقول ما لم يكن فيه رضى الله والنّاقل والواعظ أيضا كذلك ويفعل ما يقول اوّلا ثمّ يقول ثانيا ، والفقيه منهم لا يتكلّم بدون الاذن والاجازة ، وبعد الاجازة يصير باطله صحيحا وكذبه صدقا وظنّه يقينا (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) في شعرهم وقصصهم ومواعظهم ومسائلهم الفقهيّة (وَانْتَصَرُوا) انتقموا عمّن يفعل بهم (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) في مقام وامّا الّذين ظلموا من الشّعراء بان يقولوا ولا يفعلوا ويكون ظاهرهم بخلاف باطنهم فسيعلمون (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) تهديد لهم بسوء العاقبة.
سورة النّمل
مكّيّة كلّها ، خمس وتسعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) قرئ بالجرّ عطفا على القرآن ، وبالرّفع عطفا على آيات القرآن ، وتنكيره للتّفخيم (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) قد مضى الآيات بتمام اجزائها في اوّل البقرة بما لا مزيد عليه (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل بعد ما قال : هدى وبشرى للمؤمنين فما حال غير المؤمنين؟ ـ قال : انّ الّذين لا يؤمنون (بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) الّتى يعملونها لدنياهم وبهوى أنفسهم حتّى لا ينصرفوا عنها ، أو زيّنّا أعمالهم