ما يستحقّونه (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) لا حاجة له الى نظرك إليهم (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بدل أو صفة للّذى لا يموت أو خبر مبتدء محذوف ، أو مفعول فعل محذوف ، أو مبتدء خبره الرّحمن أو قوله فاسئل (وَما بَيْنَهُما) من الملائكة والمواليد (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) قد مضى الآية بتمام اجزائها في سورة الأعراف وذكرنا هناك كيفيّة خلق السّماوات والأرض في ستّة ايّام وسرّ تعقيب خلقهما باستوائه على العرش بأداة التّراخى ، ولمّا كان استواؤه تعالى على العرش الّذى هو جملة المخلوقات بمعنى استواء نسبته الى الجليل والحقير بصفته الرّحمانيّة جعل المسند اليه عنوان وصف الرّحمن (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) سألته كذا وعن كذا وبكذا بمعنى فيجوز ان يكون الباء صلة اسئل وخبيرا مفعوله الاوّل ، أو خبيرا حالا ومفعوله الاوّل محذوفا اى اسئله عن حاله حالكونه خبيرا ، أو اسئله ذاته حالكونه خبيرا ، ويجوز ان يكون الباء سببيّة وخبيرا مفعوله الاوّل ويكون الكلام على التّجريد مثل رأيت بزيد أسدا (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) عطف على يعبدون وذمّ آخر لهم (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) لمّا كان المخاطبون لا يدركون من عناوين الله الّا عنوان رحمته الرّحمانيّة علّق الحكم على الرّحمن دون سائر الأسماء (قالُوا) استهزاء أو إظهارا للجهل به وسؤالا عنه أو إنكارا لسجدته (وَمَا الرَّحْمنُ) والإتيان بما دون من أيضا لذلك (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) بالسّجدة له ، الاستفهام للإنكار كأنّهم أنكروا الايتمار بأمره لا السّجدة للرّحمن ولذلك لم يقولوا : أنسجد للرّحمن (وَزادَهُمْ) أمرك أو ذكر الرّحمن أو ذكر سجدة الرّحمن (نُفُوراً) منك أو من أمرك أو من الرّحمن أو من سجدته (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) جملة انشائيّة منقطعة عن سابقها والسّماء اعمّ من هذه السّماء المشهودة وعوالم الأرواح وسماواتها ، والبرج بمعنى الرّكن والحصن والبروج الاثنا عشر المشهورة الموهومة في الفلك الأطلس المعيّنة بالاشكال الموهومة من كواكب الفلك الثّامن ، ويجوز ان يراد بالبروج الكواكب السّيّارة أو الكواكب الكبار المضيئة سيّارة كانت أم ثابتة أو مطلق الكواكب فانّ كلّا منها حصن أو مثل حصن أو هي أركان السّماء ، أو ان يراد اللّطائف النّبويّة والولويّة المحصور كلّيّاتها في اثنتى عشرة المنتهى جزئيّاتها الى حدّ المحدودة بحسب الامّهات الى مائة واربعة وعشرين ألفا ، أو مائة وعشرين ألفا ، أو مائة الف ، وان يراد الأنبياء والأولياء (ع) فانّهم بتعلّقهم بأبدانهم الارضيّة أركان الأرض وبتجرّدهم الذّاتىّ عن ارض الطّبع أركان السّماء ، وان يراد الجهات الفاعليّة المحيية والمميتة والمفيضة للارزاق والمفيضة للعلوم المعبّر عنها بإسرافيل وعزرائيل وميكائيل وجبرائيل ، ولمّا كان جميع الخيرات المنتشرة في العوالم منوطة بالبروج باىّ معنى كانت مدح نفسه في هذا الجعل بكثرة البركات (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) وقرئ سرجا وعلى قراءة الإفراد كان المراد به الشّمس وعلى قراءة الجمع كان المراد جملة الكواكب المضيئة بأنفسها (وَقَمَراً مُنِيراً) والمناسب لقراءة الإفراد ان يكون البروج هي الكواكب المضيئة بذواتها ، والمراد بحسب التّأويل من السّراج لطيفة الولاية فانّها المضيئة بذاتها ومن القمر لطيفة النّبوّة والرّسالة فانّها كاسبة للنّور من الولاية (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ) لم يقل وتبارك الّذى جعل اللّيل ولا الّذى جعل اللّيل حتّى يكون تبارك مقدّرا لما ذكرنا من انّ جملة خيرات العوالم منوطة بالبروج بخلاف تعاقب اللّيل والنّهار فانّهما وان كانا موجبين لخيرات العالم لكنّهما آلتان لبروز خيرات البروج في العالم فكأنّه قال : وهو الّذى جعل اللّيل (وَالنَّهارَ خِلْفَةً) لبروز بركات البروج يعنى جعل كلّا منهما بدلا من الآخر حتّى انّ من فاته امر في أحدهما قضاه في الآخر ، أو جعل كلّا منهما عقيب الآخر أو مخالفا للآخر في كيفيّة الضّوء والظّلمة والبرد والحرّ (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) يعنى انّهما نعمتان عظيمتان للإنسان لانّ جميع مصالح معاشه