الأنبياء والأولياء (ع) وقبض جملة الخلق أيضا محسوس فانّ المكوّنات كلّها من اوّل خلقتها الّتى هي مدّ الظّلّ تكون في الخروج من القوى الى الفعليّات وفي طرح النّقائص والاعدام وهذا الخروج والطّرح هو قبض الرّبّ ايّاها اليه ، واليسير اشارة الى التّدريج في القبض (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) عطف على الم تر كيف مدّ الظّلّ باعتبار المعنى ، فانّه في معنى هو الّذى مدّ الظّلّ والمراد باللّباس الثّوب فانّ ظلمة اللّيل السّاترة للاشخاص عن الانظار شبيهة باللّباس السّاتر للأبدان من الانظار ، أو الاختلاط فانّ اللّيل سبب لاختلاط القوى وآثارها ، أو الاجتماع مقابل النّشر في النّهار فانّ اللّيل وقت لاجتماع الأشخاص في البيوت واجتماع القوى والأرواح في الباطن (وَالنَّوْمَ سُباتاً) اى سبب قطع من الدّنيا ومشاغلها أو سبب راحة أو نوم (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) اى سبب نشور ، ولمّا كان المقام للامتنان بتعداد النّعم وتكرار النّعم والبسط فيها كان مطلوبا كرّر جعل هاهنا ولمّا كان النّوم من نعم اللّيل كأنّه لم يكن نعمة على حيالها لم يكرّر جعل هناك (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) فانّ الرّياح الصّوريّة وقت الشّتاء والرّبيع تحرّك السّحاب وتصير سببا لامطار المطر ، واطلاق الرّحمة على المطر شائع في العرب والعجم ، ورياح الغموم والأخاويف والأسقام والقبضات والبلايا وسائر ما لا يلايم الإنسان تبشّر بضدّ ذلك فانّ مع العسر يسرين وقد سبق في سورة الأعراف اختلاف القراءة في بشرا وغير ذلك (وَأَنْزَلْنا) لمّا كان الامتحانات الالهيّة موجبة لترقّى السّالك عن مقام الغيبة الى مقام الحضور ويكون الامتحان في الغياب قال أرسل الرّياح بالغيبة وأنزلنا بالالتفات من الغيبة الى الحضور (مِنَ السَّماءِ) اى السّحاب أو جهة العلو بعد إرسال الرّياح (ماءً طَهُوراً) اى طاهرا في نفسه مطهّرا لغيره من الاخباث والاحداث فانّ الطّهور للمبالغة في الطّاهر ، والبالغ في الطّهارة هو الّذي يكون لشدّة طهارته مورثا لطهارة مجاورة ، وتوصيف الجنس بهذا الوصف يدلّ على انّ الماء ما لم يخرج من حدّ اطلاق هذا الاسم ولم يصر مضافا ومغلوبا لوصف غيره لم يسلب عنه هذا الوصف قليلا كان أم كثيرا واردا على المتنجّس أم واردا عليه المتنجّس أو ملاقيا له غسالة أم غيرها ، كما افتى به بعض الفقهاء رضوان الله عليهم ، لكنّ الاحتياط طريق الرّشاد خصوصا في البلاد الّتى يكون الماء بها كثيرا حيث لا ينجرّ الى تعسّر وتبذير وإسراف (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) موت البلاد بسكون عروق اراضيها وحبوبها عن الهيجان والحركة والنموّ وحيوتها بهيجان تلك ونبتها ونموّها (وَنُسْقِيَهُ) اى الماء الطّهور (مِمَّا خَلَقْنا) بعضا ممّا خلقنا (أَنْعاماً) مفعول نسقيه ، وممّا خلقنا حال مقدّم أو ممّا خلقنا مفعوله على كون من التّبعيضيّة اسما أو قائما مقام الاسم وانعاما بدل أو حال منه (وَأَناسِيَ) جمع الانسىّ بمعنى الإنسان أو جمع الإنسان بإسقاط النّون والإتيان بالياء عوضا عنها أو بإبدالها ياء (كَثِيراً) قد يوحّد الكثير للجميع وقد يطابق ونكرّ الانعام وخصّها بالذّكر من بين سائر الحيوان لانّ كثيرا من الانعام تسقى من الأنهار ، وكثيرا من الحيوان غنيّة من الماء ، وبعضها يطلب الماء في المسافات البعيدة ، ونكّر الاناسىّ لذلك ، وقدّم احياء الأرض وسقى الانعام على سقى الإنسان لانّ احياء الأرض وسقى الانعام ليس الّا للإنسان وعمدة منافعه وأسباب تعيّشه منوطة بهما فكان الاهتمام بهما في مقام تعداد النّعم أكثر من سقى الماء الإنسان (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) اى امر ولاية علىّ (ع) فانّه المعهود على الإطلاق والمنظور من كلّ قول وخطاب ، أو صرّفنا تعداد النّعم في القرآن وسائر الكتب وعلى السنة خلفائنا أو صرّفنا المطر في البلدان والبراري والبحار وفي الأوقات وفي الأوصاف بجعله وابلا وطلّا ورضراضا وثلجا وبردا ومتتابعا وغير متتابع (بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) بذلك ويقرّوا بالمبدء والمعاد (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) الّذين نسوا الآخرة ولم يكن لهم همّ الّا حيوتهم الدّنيويّة (إِلَّا كُفُوراً) بالولاية أو بالنّعم المعدودة من حيث أنعامنا