(كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) لعدم اعتقادهم بالحشر أو ليأسهم من رحمة الله فيكون المعنى لا يرجون نشورا للثّواب (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) الهزؤ بالضّمّ والسّكون والهزؤ بالضّمّتين مصدرا هزء به ومنه كمنع وسمع بمعنى سخر منه قائلين تهكّما بك وتحقيرا لك (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) وهذا الكلام منهم لغاية التّحقير والاستهزاء لإتيانهم بالاستفهام التّعجّبىّ الدّالّ على منافاة حاله لرسالة الله لحقارته ، وباسم الاشارة القريبة الدّالّ على تحقيره ، وببعث الله ايّاه رسولا على سبيل التّسليم من حيث انّهم جعلوا البعث صلة للموصول دالّة على تحقّقه وتسليمه مع إنكارهم له وهذا مبتدء والّذى خبره أو صفته وخبره قوله (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) ان مخفّفة من الثّقيلة أو نافية على قول يعنى انّه لكثرة ما يدعو ويصرّ على ادّعاء الى آلهة ، وكثرة ما يحاجّ بما يزعمه برهانا ، وكثرة ما يظهره ممّا يزعمه معجزة يكاد يصرف وجوهنا (عَنْ آلِهَتِنا) الى آلهة (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) جواب لولا محذوف بقرينة السّابق اى لكاد يضلّنا فهو بمنزلة القيد لقوله ان كاد ليضلّنا (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) حال الاحتضار أو في البرازخ أو في القيامة (مَنْ أَضَلُ) منك ومنهم (سَبِيلاً) لمّا دلّ قولهم ان كاد ليضلّنا عن آلهتنا على انّه ضالّ ويريد اضلالهم قال تعالى : سوف يعلمون من اضلّ سبيلا (أَرَأَيْتَ) خطاب لمحمّد (ص) والرّؤية من رؤية البصر أو رؤية القلب أو الخطاب عامّ (مَنِ اتَّخَذَ) من موصولة ومفعول لرأيت أو استفهاميّة ومفعول معلّق عنه العامل (إِلهَهُ هَواهُ) قدّم المفعول الثّانى للاهتمام به والهوى مقصورا المحبّة والعشق في الخير والشّرّ والمهوىّ كذلك لكن إذا أضيف الى الإنسان أو الى نفسه يتبادر منه الهوى في الشّرّ بالنّسبة الى الانسانيّة ، والإله هو الّذى يعبده الإنسان يعنى يطيعه في أوامره ونواهيه ويجعل غاية حركاته وسكناته الّتى يسمّيها عبادة رضاه ، ولمّا كان الإنسان ما لم يصبر بالنّسبة الى الله والشّيطان كالمدارك بالنّسبة الى النّفس ذا وجهين وجه الى نفسه ووجه الى عقله ووجهه النّفسانىّ يأمره بمهويّات النّفس الّتى فيها هلاكه وضلاله ، ووجهه العقلانىّ يأمره بمرضيّات العقل الّتى هي مرضيّات الله ومأموراته ، وبعبارة اخرى ما لم يخرج الإنسان من حكم نفسه ولم يتمكّن في اتّباع الرّحمن أو الشّيطان كان عليه حاكمان حاكم الهىّ عقلانىّ وحاكم شيطانىّ نفسانىّ هذا يزجره وذاك يغويه ، فاذا اتّبع الشّيطان في اغوائه والنّفس في هواها وإراداتها ومهويّاتها تدرّج في المحكوميّة للشّيطان والنّفس بحيث تمكّن في ذلك ولم يبق فيه مدخل ومخرج للعقل والملك والرّحمن ، ولا يقبل حكم الله بتوسّط الملك والعقل ، ولا يحبّ مرضيّات العقل ولا يطلبها بل يطيع الشّيطان في امره بطلب المهويّات والمهويّات في جذبها الّذى هو أمرها التّكوينىّ والإرادات في تسخيرها له الّذى هو أمرها فيكون الشّيطان معبودا له اوّلا كما قال تعالى حكاية لقول الملائكة بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون لكن من حيث لا يشعرون بل يحسبون انّ الله يعبدون ثمّ المهويّات ثانيا ثمّ الاهوية والإرادات ثالثا ونعم ما قيل :
اى هواهاى تو خدا انگيز |
|
زين خداهاى تو خدا بيزار |
(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) حتّى تحزن على اتّباعهم الهوى وعدم استماعهم منك وتضيق صدرا به ، والوكيل فعيل بمعنى المفعول من وكل اليه الأمر سلّمه اليه وتركه ، وتعديته بعلى بتضمين مثل معنى الرّقيب (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) في مقام التّقليد (أَوْ يَعْقِلُونَ) في مقام التّحقيق فانّ السّماع اوّل مقام العلم الّذى هو مقام التّقليد ، والتّعقّل آخر مقامه الّذى هو مقام التّحقيق والتّحقّق وإليهما أشار تعالى بقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ