بانّهم في تكذيب الرّسل (ع) ظالمون ، أو المقصود تهديد مطلق الظّالمين (عَذاباً أَلِيماً) في الآخرة كما انّ التّدمير والإغراق كانا في الدّنيا (وَعاداً) عطف على مفعول دمّرناهم أو على مفعول جعلناهم أو على للظّالمين بطريق الحذف والإيصال ، أو بالعطف على محلّه أو مفعول لا ذكر محذوفا أو لاهلكنا محذوفا (وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ).
حكاية أصحاب الرّسّ
الرّسّ البئر المطويّة بالحجارة واسم لبئر كانت لبقيّة من ثمود والحفر والإخفاء ودفن الشّيء تحت الشّيء ، وأصحاب الرّسّ على ما روى عن مولانا أمير المؤمنين (ع) كانوا يعبدون شجر الصّنوبر ، وكان لهم اثنتا عشرة قرية على نهر يقال له الرّسّ وسمّوا قراهم بأسماء الشّهور الفرسيّة وكان في كلّ شهر عيد لهم في قرية من قراهم ، وأخذوا أسماء الشّهور من أسماء تلك القرى أخذوا لكلّ شهر اسم القرية الّتى كان في ذلك الشّهر عيد تلك القرية ، وكان في كلّ قرية شجرة يعبدونها ويجتمعون عندها في موسم العيد ، وكان الشّيطان يحرّك تلك الشّجرة بعد الاجتماع عندها وعبادتها ويتكلّم معهم ويصيح من ساقها قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا ، وإذا كان عيد قريتهم الكبيرة اجتمعوا عند الشّجرة العظيمة الّتى فيها أكثر ممّا اجتمعوا في سائر القرى وذبحوا القرابين أكثر ممّا ذبحوا في سائر القرى وكان الشّيطان يتكلّم من جوف تلك الشّجرة كلاما جهوريّا ويمنّيهم أكثر من السّابق ، فلمّا تمادوا في ذلك أرسل الله تعالى إليهم نبيّا من ولد يهود ابن يعقوب فمكث يدعوهم الى التّوحيد زمانا طويلا فلمّا رأى تماديهم في الطّغيان دعا الله ان ايبس أشجارهم فيبست فلمّا رأوا أشجارهم قد يبست صاروا فرقتين ، فرقة قالوا سحر هذا آلهتكم ، وفرقة قالوا غضب آلهتكم حين رأت هذا الرّجل يصرف وجوه النّاس عنها ولم تغضبوا لها ، واجمعوا على ان يدفنوه في نهر الرّسّ تحت الشّجرة الكبيرة ودفنوه حيّا تحت نهر الرّسّ ، فسمّاهم الله أصحاب الرّسّ لكونهم أصحاب القرى الواقعة على نهر الرّسّ أو لدفنهم نبيّهم حيّا ، فغضب الله فأرسل عليهم ريحا شديدة الحمرة وصارت الأرض من تحتهم حجر كبريت تتوقّد واظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبّة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص في النّار ، وقيل : الرّسّ نهر بناحية آذربايجان ، روى انّه دخل على الصّادق (ع) نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السّحق فقال : حدّها حدّ الزّانى فقال المرأة : ما ذكر الله عزوجل ذلك في القرآن؟ ـ فقال : بلى ، فقالت : واين هو؟ ـ قال (ع) : هنّ أصحاب الرّسّ ، وفي خبر : دخلت امرأة مع مولاة لها على ابى عبد الله (ع) فقالت ما تقول في اللّواتى مع اللّواتى؟ ـ قال (ع) : هنّ في النّار الى ان قالت : ليس هذا في كتاب الله؟ ـ قال : نعم ، قالت : اين هو؟ ـ قال (ع) : قوله : وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ فهنّ الرّسّيّات ، وفي خبر : انّ سحق النّساء كانت في أصحاب الرّسّ ، وقيل : انّ الرّسّ اسم بئر رسوا فيها نبيّهم اى القوا فيها ، وقيل : أصحاب الرّسّ كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها وكانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبا فكذّبوه فانهار البئر وانخسفت بهم الأرض فهلكوا ، وقيل : الرّسّ قرية باليمامة قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله ، وقيل : الرّسّ بئر بانطاكية قتل أهلها حبيبا النّجّار فنسبوا إليها (وَقُرُوناً) جمع القرن والقرن له معان عديدة لكنّ المناسب هاهنا ان يكون بمعنى الامّة الهالكة الّتى لم يبق منهم أحد ، أو أهل زمان واحد أو الامّة بعد الامّة (بَيْنَ ذلِكَ) المذكور من قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرّسّ وقوم موسى (كَثِيراً وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) يعنى كلّا من الأمم الهالكة أجرينا له حكايات عديدة من الماضين مهدّدة من سخطنا ومرغّبة في رحمتنا كما ضربنا لامّتك الأمثال العديدة بهذا المنوال (وَكُلًّا تَبَّرْنا) التّبر الكسر والإهلاك كالتّتبير (تَتْبِيراً وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) وهي قرى قوم لوط أمطرت بالحجارة (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) حتّى يعتبروا بها ولا يحتاجوا في التّنبيه والتّهديد الى غيرها (بَلْ) رأوها ولكن